درجات ومراتب لا بدّ من الاستدلال عليها؛ ويجرى هذا مجرى أن يخبر أحدنا نبىّ بما فعل على سبيل التفصيل على وجه يخرق العادة؛ وهو وإن كان عالما بصدق خبره ضرورة لا بدّ له من الاستدلال فيما بعد على نبوّته، لأنّ علمه بصدق خبره ليس هو العلم بنبوّته، لكنه طريق يوصل إليها على ترتيب.
ووجه آخر وهو أنه لا يمتنع أن يكون للملائكة لغات مختلفة، فكلّ قبيل منهم يعرف أسماء الأجناس فى لغته دون لغة غيره، إلّا أن يكون إحاطة عالم واحد لأسماء الأجناس فى جميع لغاتهم خارقة للعادة، فلما أراد الله تعالى التنبيه على نبوّة آدم علّمه جميع تلك الأسماء، فلما أخبرهم بها علّم كل فريق مطابقة ما خبّر به من الأسماء للغته، وهذا لا يحتاج فيه إلى الرجوع إلى غيره، وعلم مطابقته ذلك لباقى اللغات يخبر كل قبيل، ولا شكّ فى أنّ كل قبيل إذا كانوا كثيرة (?)، وخبّروا بشيء يجرى هذا المجرى علم مخبرهم، وإذا أخبر كلّ قبيل صاحبه علم من ذلك فى لغة غيره
ما علمه من لغته.
وهذا الجواب يقتضي أن يكون قوله: أَنْبِئُونِي بِأَسْماءِ هؤُلاءِ أى ليخبرنى كلّ قبيل منكم بجميع هذه الأسماء.
وهذان الجوابان جميعا مبنيّان على أن آدم عليه السلام مقدّم له العلم بنبوّته، وأن إخباره بالأسماء كان افتتاح معجزاته (?)، لأنه لو كان نبيا قبل ذلك، وكانوا قد علموا بقدم ظهور معجزات على يده لم يحتج إلى هذين الجوابين معا، لأنهم يعلمون إذا كانت الحال هذه مطابقة الأسماء للمسميات بعد أن لم يعلموا ذلك بقوله الّذي قد أمنوا به فيه غير الصدق، وهذه بيّن لمن تأمله.
*** قال سيدنا أدام الله علوّه: رأيت قوما ممن تكلم على معانى الشعر، يذكرون فى بيت حسان بن ثابت: