ومنها أنّ أبا عبيد لم يحكم على هذا المصاب بولده بمسّ النار، وإنما حكم عليه بالورود، / والورود لا يوجب ألّا يكون من الأبرار؛ لأن «إلّا» معناه الاستثناء المنقطع، فكأنه قال: فتمسّه النار لكن تحلّة اليمين، أى لكن ورود النار لا بدّ منه، فجرى مجرى قول العرب: سار الناس إلا الأثقال، وارتحل العسكر إلّا أهل الخيام، وأنشد الفرّاء:
وسمحة المشى شملال قطعت بها … أرضا يحار بها الهادون ديموما (?)
مهامها وحزونا لا أنيس بها … إلّا الصّوائح والأصداء والبوما (?)
وأنشد الفراء أيضا:
ليس عليك عطش ولا جوع … إلّا الرقاد، والرّقاد ممنوع
فمعنى الحديث: لا يموت للمسلم ثلاثة من الولد فتمسه النار البتة، لكن تحلّة اليمين لا بدّ منها، وتحلّة اليمين الورود، والورود لا يقع فيه مسّ.
وقال أبو بكر: وقد سنح لى فيه قول آخر: وهو أن تكون «إلا» زائدة دخلت للتوكيد، و «تحلّة» اليمين منصوب على الوقت والزمان، ومعنى الخبر: فتمسه النار، وقت تحلّة القسم، و «إلا» زائدة.
قال الفرزدق شاهدا لهذا:
هم القوم إلّا حيث سلّوا سيوفهم … وضحّوا بلحم من محلّ ومحرم (?)
معناه: هم القوم حيث سلّوا سيوفهم، و «إلا» مؤكدة.
وقال الأخطل:
يقطّعن إلّا من فروع يردنها … بمدحة محمود نثاه ونائله (?)
معناه يقطعون من فروع يردنها، والفروع: الواسعة من الأرض.