فإن قيل: كيف يجوز أن يحسن إرادة عقاب غير مستحق لم يقع سببه؛ لأن القتل على هذا القول لم يكن واقعا؟
قلنا: ذلك جائز بشرط وقوع الأمر الّذي يستحقّ به العقاب؛ فهابيل لمّا رأى من أخيه التصميم على قتله، والعزم على إمضاء القبيح فيه، وغلب على ظنه وقوع ذلك جاز أن يريد عقابه؛ بشرط أن يفعل ما همّ به، وعزم عليه.
فأما قوله: بِإِثْمِي وَإِثْمِكَ فالمعنى فيه واضح لأنه أراد بإثمى عقاب قتلك لى وبإثمك أى عقاب المعصية التى أقدمت عليها من قبل؛ فلم يتقبل قربانك لسببها، لأن الله تعالى أخبر عنهما بأنهما: قَرَّبا قُرْباناً فَتُقُبِّلَ مِنْ أَحَدِهِما/ وَلَمْ يُتَقَبَّلْ مِنَ الْآخَرِ، وأن العلة فى أن قربان أحدهما لم يتقبل أنه غير متق، وليس يمتنع أن يريد بإثمى ما ذكرناه؛ لأن الإثم مصدر، والمصادر قد تضاف إلى الفاعل والمفعول جميعا، وذلك مستعمل مطرد فى القرآن والشعر والكلام.
فمثال ما أضيف إلى الفاعل قوله تعالى: وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ؛ [الحج: 40] ومن إضافته إلى المفعول قوله تعالى: لا يَسْأَمُ الْإِنْسانُ مِنْ دُعاءِ الْخَيْرِ وَإِنْ مَسَّهُ الشَّرُّ؛ [فصلت: 51] وقوله تعالى: لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤالِ نَعْجَتِكَ إِلى نِعاجِهِ؛ [ص: 24].
ومما جاء فى الشعر من إضافته إلى المفعول ومعه الفاعل قول الشاعر:
أمن رسم دار مربع ومصيف … لعينيك من ماء الشّئون وكيف (?)