جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُمْ وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبائِهِمْ وَأَزْواجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ [غافر: 8].

ولفظ الصالح لا يطلق إلا على من كان كاملا عاقلا؛ فإن استبعدوا تأويلنا وحملنا الآية على البالغين المكلّفين؛ فهذا جوابهم.

والجواب الثانى أنّه تعالى/ لمّا خلقهم وركّبهم تركيبا يدلّ على معرفته ويشهد بقدرته ووجوب عبادته، وأراهم العبر والآيات والدّلائل فى أنفسهم وفى غيرهم كان بمنزلة المشهد لهم على أنفسهم، وكانوا فى مشاهدة ذلك ومعرفته وظهوره فيهم على الوجه الّذي أراده تعالى، وتعذّر امتناعهم منه، وانفكاكهم من دلالته بمنزلة المقرّ المعترف؛ وإن لم يكن هناك إشهاد ولا اعتراف على الحقيقة؛ ويجرى ذلك مجرى قوله تعالى: ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ وَهِيَ دُخانٌ فَقالَ لَها وَلِلْأَرْضِ ائْتِيا طَوْعاً أَوْ كَرْهاً قالَتا أَتَيْنا طائِعِينَ [فصلت: 11]، وإن لم يكن منه تعالى قول على الحقيقة، ولا منهما جواب، ومثله قوله تعالى: شاهِدِينَ عَلى أَنْفُسِهِمْ بِالْكُفْرِ [التوبة: 17]. ونحن نعلم أنّ الكفار لم يعترفوا بالكفر بألسنتهم؛ وإنما (?) لمّا ظهر منهم ظهورا لا يتمكّنون من دفعه كانوا بمنزلة المعترفين به؛ ومثل هذا قولهم: جوارحى تشهد بنعمتك، وحالى معترفة بإحسانك. وما روى عن بعض الخطباء (?) من قوله: سل (?) الأرض: من شقّ أنهارك، وغرس أشجارك، وجنى ثمارك؟ فإن لم تجبك حوارا أجابتك اعتبارا.

وهذا باب كبير، وله نظائر كثيرة فى النظم والنثر؛ يغنى عن ذكر جميعها القدر الّذي ذكرناه منها.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015