وأعلمهم أنّ ذلك يحييهم من حيث كان فيه قهر للمشركين، وتقليل لعددهم، وفلّ لحدّهم؛ وحسم لأطماعهم، لأنهم متى كثروا وقووا استلانوا جانب المؤمنين؛ وأقدموا عليهم بالقتل وصنوف المكاره؛ فمن هاهنا كانت الاستجابة له عليه السلام فى القتال تقتضى الحياة والبقاء؛ ويجرى ذلك مجرى قوله تعالى: وَلَكُمْ فِي الْقِصاصِ حَياةٌ؛ [البقرة: 179].
وثالثها ما قاله قوم من أنّ كلّ طاعة حياة، ويوصف فاعلها بأنه حىّ، كما أن المعاصى يوصف فاعلها بأنه ميت، والوجه فى ذلك/ أنّ الطائع لما كان (?) منتفعا بحياته، وكانت تؤديه إلى الثواب الدائم قيل: إن الطاعة حياة؛ ولما كان الكافر العاصى لا ينتفع بحياته؛ من حيث كان مصيره إلى العقاب الدائم كان فى حكم الميّت؛ ولهذا يقال لمن كان منغّص (?) الحياة، غير منتفع بها: فلان بلا عيش ولا حياة، وما جرى مجرى ذلك من حيث لم ينتفع بحياته.
ويمكن فى الآية وجه آخر، وهو أن يكون المراد بالكلام الحياة بالحكم لا فى الفعل؛ لأنا قد علمنا أنه عليه السلام كان مكلّفا مأمورا بجهاد جميع المشركين المخالفين لملته وقتلهم، وإن كان فيما بعد كلّف ذلك فيمن عدا أهل الذمة على شرطها؛ فكأنه تعالى قال: استجيبوا للرسول ولا تخالفوه، فإنكم إذا خالفتم كنتم فى الحكم غير أحياء، من حيث تعبّد عليه السلام بقتالكم وقتلكم، فإذا أطعتم كنتم فى الحكم أحياء؛ ويجرى ذلك مجرى قوله تعالى:
وَمَنْ دَخَلَهُ كانَ آمِناً؛ [آل عمران: 97]؛ وإنما أراد تعالى أنه يجب أن يكون آمنا؛ وهذا (?) حكمه، ولم يخبر بأن ذلك لا محالة واقع.
فأما المجبرة فلا شبهة لهم فى الآية، ولا متعلّق بها؛ لأنه تعالى لم يقل: إنه يحول بين المرء وبين الإيمان، بل ظاهر الآية يقتضي أنّه يحول بينه وبين أفعاله، وإنما يقتضي ظاهرها أنه يحول بينه وبين قلبه؛ وليس للإيمان ولا
للكفر ذكر، ولو كان للآية ظاهر يقتضي