أهله؛ ويشهد لهذا التأويل قوله عزّ وجل على طريق التعليل: إِنَّهُ عَمَلٌ غَيْرُ صالِحٍ، فبيّن أنه إنما خرج عن أحكام أهله لكفره وسيّئ عمله، وقد روى هذا التأويل أيضا عن جماعة من المفسرين؛ وحكى عن ابن جريج أنه سئل عن ابن نوح فسبّح طويلا ثم قال لا إله إلا الله! يقول الله: وَنادى نُوحٌ ابْنَهُ؛ وتقول: ليس منه! ولكنه خالفه فى العمل فليس منه من لم يؤمن.
وروى عن عكرمة أنه قال: كان ابنه ولكن كان مخالفا له فى النية والعمل؛ فمن ثمّ قيل: إِنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ.
والوجه الثالث أنه لم يكن ابنه على الحقيقة؛ وإنما ولد على فراشه، فقال عليه السلام:
إنه ابنى على ظاهر الأمر؛ فأعلمه الله أن الأمر بخلاف الظاهر، ونبهه على خيانة امرأته؛ وليس فى ذلك تكذيب لخبره، لأنه إنما أخبر عن ظنه، وعمّا يقتضيه الحكم الشرعىّ، فأخبره الله تعالى بالغيب الّذي لا يعلمه غيره؛ وقد روى هذا الوجه عن الحسن وغيره.
وروى قتادة عن الحسن قال: كنت عنده؛ فقال: وَنادى نُوحٌ ابْنَهُ لعمر الله ما هو ابنه، قال: فقلت: يا أبا سعيد؛ يقول الله: وَنادى نُوحٌ ابْنَهُ وتقول: ليس بابنه!
قال: أفرأيت قوله: لَيْسَ مِنْ أَهْلِكَ؟ قال: قلت معناه: / ليس من أهلك الذين وعدتك أن أنجيهم معك، ولا يختلف أهل الكتاب أنه ابنه، فقال: أهل الكتاب يكذبون؛ وروى عن مجاهد وابن جريج مثل ذلك.
وهذا الوجه يبعد إذ فيه منافاة للقرآن؛ لأنه تعالى قال: وَنادى نُوحٌ ابْنَهُ، فأطلق عليه اسم البنوّة؛ ولأنه أيضا استثناه من جملة أهله بقوله تعالى: وَأَهْلَكَ إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ مِنْهُمْ؛ ولأنّ الأنبياء عليهم السلام يجب أن ينزّهوا عن مثل هذه الحال؛ لأنّها تعرّ وتشين وتغضّ من القدر؛ وقد جنّب الله تعالى أنبياءه عليهم السلام ما هو دون ذلك؛ تعظيما لهم وتوقيرا، ونفيا لكل ما ينفّر عن القبول منهم؛ وقد حمل ابن عباس ظهور ما ذكرناه من الدّلالة على أنّ تأوّل قوله تعالى فى امرأة نوح وامرأة لوط: فَخانَتاهُما على أن الخيانة