التصرّف فى غيره لكان فعل المكره حسنا، وإن كان فعل المكره قبيحا. وهذه الجملة تبيّن ألّا ظاهر فى الآية (?) يقتضي ما عنده؛ وأنه لا بدّ من تقدير محذوف يتعلق بالسّجن؛ وليس لهم أن يقدّروا ما يرجع إلى الحابس من الأفعال؛ إلّا ولنا أن نقدّر ما يرجع إلى المحبوس؛ وإذا احتمل الكلام الأمرين، ودلّ الدليل على أنّ النبىّ عليه السلام لا يجوز أن يريد المعاصى والقبائح اختصّ المحذوف المقدّر بما يرجع إليه مما ذكرناه، وذلك طاعة لا لوم على مريده ومحبّه.
فإن قيل: كيف يجوز أن يقول: السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ، وهو لا يحبّ ما دعوه جملة؛ ومن شأن هذه اللفظة أن تدخل بين ما وقع (?) فيه اشتراك فى معناها؛ وإن فضّل البعض على البعض؟
قلنا: قد تستعمل هذه اللفظة فى مثل هذا الموضع؛ وإن لم يكن فى معناها اشتراك على الحقيقة، ألا ترى أنّ من
خيّر بين ما يحبه وما يكرهه جائز أن يقول: هذا أحبّ إلى من هذا، وإن لم يجز مبتدئا أن يقول من غير أن يخيّر: هذا أحبّ إلى من هذا، إذا كان لا يحبّ أحدهما جملة!
وإنما يسوغ ذلك على أحد الوجهين دون الآخر؛ من حيث كان المخيّر بين الشيئين لا يخيّر بينهما إلّا وهما مرادان له، أو مما يصحّ أن يريدهما، فموضوع التخيير يقتضي ذلك، وإن حصل فيما ليس هذه صفته، والمجيب على (?) هذا متى قال: كذا أحبّ إلى من كذا كان مجيبا على ما يقتضيه موضوع التخيير، وإن لم يكن الأمران يشتركان فى تناول محبته.
وما يقارب ذلك قوله تعالى: قُلْ أَذلِكَ خَيْرٌ أَمْ جَنَّةُ الْخُلْدِ؛ [الفرقان: 15]، ونحن نعلم ألّا خير فى العقاب؛ وإنما حسن ذلك لوقوعه موقع التوبيخ والتقريع على اختيار