والّذي أنزل على الملكين، وإنّما أنزل على الملكين وصف السحر وماهيّته وكيفية الاحتيال فيه؛ ليعرفا ذلك ويعرّفاه للناس فيجتنبوه ويحذروا منه، كما أنّه تعالى قد أعلمنا ضروب المعاصى، ووصف لنا أحوال القبائح
لنجتنبها لا لنوقعها؛ لأنّ الشياطين كانوا إذا علموا ذلك وعرفوه استعملوه، وأقدموا على فعله؛ وإن كان غيرهم من المؤمنين لمّا عرفه اجتنبه وحاذره وانتفع باطّلاعه على كيفيته، ثم قال: وَما يُعَلِّمانِ مِنْ أَحَدٍ يعنى الملكين، ومعنى يُعَلِّمانِ يعلمان، والعرب تستعمل لفظة علّمه بمعنى أعلمه، قال القطامىّ:
تعلّم أنّ بعد الغىّ رشدا … وأنّ لتانك الغبر انقشاعا (?)
وقال كعب بن زهير:
تعلّم رسول الله أنّك مدركى … وأنّ وعيدا منك كالأخذ باليد (?)
ومعنى «تعلّم» فى البيتين/ معنى «اعلم» (?)؛ والّذي يدلّ على أنّ المراد هاهنا الإعلام لا التعليم قوله: وَما يُعَلِّمانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولا إِنَّما نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلا تَكْفُرْ، أى أنهما لا يعرّفان صفات السحر وكيفيته إلّا بعد أن يقولا إنما نحن محنة، لأن الفتنة بمعنى المحنة؛ وإنما كانا محنة، من حيث ألقيا إلى المكلّفين أمرا لينزجروا عنه، وليمتنعوا من مواقعته، وهم إذا عرفوه أمكن أن يستعملوه ويرتكبوه، فقالا لمن يطلعانه على ذلك: لا تكفر باستعماله، ولا تعدل عن الغرض فى إلقاء هذا إليك، فإنه إنّما ألقى إليك، وأطلعت عليه لتجتنبه؛ لا لتفعله، ثم قال: فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُما ما يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ، أى فيعرفون من جهتهما ما يستعلمونه فى هذا الباب؛ وإن كان الملكان ما ألقياه إليهم لذلك؛ ولهذا قال: وَيَتَعَلَّمُونَ ما يَضُرُّهُمْ وَلا يَنْفَعُهُمْ؛ لأنّهم