فيقال له: لم ينف عودهم إليها على كل وجه؛ وإنما نفى العود إليها مع كونها منسوخة منهيّا عنها؛ والّذي علّقه بمشيئة الله تعالى من العود إليها هو بشرط أن يأمر بها، ويتعبّد بمثلها، والجواب مستقيم لا خلل فيه.
وثانيها أنّه أراد أنّ ذلك لا يكون أبدا من حيث علّقه بمشيئة الله تعالى لمّا كان معلوما أنّه لا يشاؤه؛ وكلّ أمر علّق بما لا يكون فقد نفى كونه على أبعد الوجوه؛ وتجرى الآية مجرى قوله تعالى: لا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِياطِ؛ [الأعراف: 40] وكما يقول القائل: أنا لا أفعل كذا حتى يبيضّ القار؛ أو يشيب الغراب؛ وكما قال الشاعر:
وحتّى يئوب القارظان كلاهما … وينشر فى القتلى كليب لوائل (?)
والقارظان لا يئوبان أبدا، وكليب لا ينشر أبدا؛ فكأنه قال: إنّ هذا لا يكون أبدا.
وثالثها/ ما ذكره قطرب بن المستنير من أنّ فى الكلام تقديما وتأخيرا، وأنّ الاستثناء من الكفار وقع لا من شعيب؛ فكأنه تعالى قال حاكيا عن الكفار: لَنُخْرِجَنَّكَ يا شُعَيْبُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَكَ مِنْ قَرْيَتِنا؛ [الأعراف: 88]، إلّا أن يشاء الله أن تعود فى ملّتنا؛ ثم قال تعالى حاكيا عن شعيب: وَما يَكُونُ لَنا أَنْ نَعُودَ فِيها على كل حال.
ورابعها أن تعود الهاء التى فى قوله: فِيها إلى القرية لا إلى الملّة؛ لأن ذكر القرية قد تقدّم كما تقدم ذكر الملّة؛ ويكون تلخيص الكلام: إنّا سنخرج من قريتكم، ولا نعود فيها إلّا أن يشاء الله بما ينجزه لنا من الوعد فى الإظهار عليكم، والظّفر بكم، فنعود إليها.
وخامسها أن يكون المعنى: إلّا أن يشاء الله أن يردّكم إلى الحق، فنكون جميعا على