سَرِيعُ الْحِسابِ، على تأويل من أراد قصر الزمان، وسرعة الموافقة وجه وتعلّق بالوعد والوعيد؛ لأن الكلام على كل حال متضمّن لوقوع المحاسبة على أعمال العباد، والإحاطة بخيرها وشرّها؛ وإن وصف الحساب مع ذلك بالسرعة؛ وفى هذا ترغيب وترهيب لا محالة، لأن من علم أنه يحاسب بأعماله، ويواقف (?) على جميلها وقبيحها انزجر عن القبيح ورغب فى فعل الواجب.
فبهذا ينصر الجواب، وإن كنا لا ندفع أن فى حمل الحساب على قرب المجازاة، أو قرب المحاسبة على الأعمال ترغيبا فى الطاعات وزجرا عن المقبّحات؛ فالتأويل الأول أشبه بالظاهر ونسق الآية، إلا أن التأويل الآخر غير مدفوع أيضا ولا مرذول (?).
إن سأل سائل عن قوله تعالى: وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ؛ [البقرة: 212].
فقال: أىّ تمدّح فى الإعطاء بغير حساب، وقد يكون المعطى بحساب أجزل عطية من المعطى بغير حساب؟ .
الجواب، قلنا فى هذه الآية وجوه:
أولها أن تكون الفائدة أنه تعالى يرزق من يشاء بغير تقدير من المرزوق ولا احتساب منه، فالحساب هاهنا راجع إلى المرزوق لا إليه تعالى؛ كما يقول القائل: ما كان كذا وكذا فى حسابى، أى لم أؤمله، ولم أقدّر أنه يكون؛ وهذا وصف للرزق بأحسن الأوصاف؛ لأن الرزق إذا لم يكن محتسبا كان أهنأ له وأحلى؛ وقد روى عن ابن عباس رضى الله عنه فى تفسير هذه الآية أنه قال: عنى بها أموال بنى قريظة والنّضير، وأنّها تصير إليكم بغير حساب ولا قتال، على أسهل الأمور وأقربها وأيسرها.