قال الشّريف المرتضى رضى الله عنه: قال أبو مسلم محمد بن بحر الأصبهانىّ (?) فى قوله تعالى: وَالْأَرْضَ مَدَدْناها وَأَلْقَيْنا فِيها رَواسِيَ وَأَنْبَتْنا فِيها مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُونٍ. [الحجر: 19]؛ قال: إنما خصّ الموزون دون المكيل بالذّكر لوجهين:
أحدهما أن غاية المكيل تنتهى إلى الوزن لأن سائر المكيلات إذا صارت طعاما دخلت فى باب الوزن وخرجت عن باب الكيل؛ فكأنّ الوزن أعمّ من الكيل.
والوجه الآخر أن فى الوزن معنى الكيل؛ لأن الوزن هو طلب مساواة الشيء بالشيء.
ومقايسته إليه، وتعديله به؛ وهذا المعنى ثابت فى الكيل، فخصّ الوزن بالذّكر لاشتماله على معنى الكيل.
هذا قول أبى مسلم، ووجه الآية وما يشهد له ظاهر لفظها غير ما سلكه أبو مسلم، وإنما أراد تعالى بالموزون المقدّر الواقع بحسب الحاجة؛ فلا يكون ناقصا عنها، ولا زائدا عليها زيادة مضرّة أو داخلة فى باب العبث. ونظير ذلك من كلامهم (?) قولهم: كلام فلان (?) موزون، وأفعاله مقدّرة موزونة؛ وإنما يراد ما أشرنا إليه، وعلى هذا المعنى تأوّل المفسرون ذكر الموازين فى القرآن على أحد التأويلين، وأنها التعديل والمساواة بين الثّواب والعقاب، قال الشاعر (?):
لها بشر مثل الحرير ومنطق … رخيم الحواشى لا هراء ولا نزر
والهراء: الكثير، والنزر: القليل؛ فكأنه قال: إن حديثها لا يقلّ عن الحاجة