26 مجلس آخر [المجلس السادس والعشرون: ]
إن سأل سائل عن قوله تعالى: فَغَشِيَهُمْ مِنَ الْيَمِّ ما غَشِيَهُمْ؛ [طه: 78].
فقال: ما الفائدة فى قوله: ما غَشِيَهُمْ، وقوله: غَشِيَهُمْ يدل عليه، ويستغنى به عنه، لأن غَشِيَهُمْ لا يكون إلّا الّذي غشيهم، وما الوجه فى ذلك؟
قلنا: قد ذكر/ فى هذا أجوبة:
أحدها أن يكون المعنى: فغشيهم من اليمّ البعض الّذي غشيهم، لأنه لم يغشهم جميع مائه، بل غشيهم بعضه، فقال
تعالى: ما غَشِيَهُمْ؛ ليدل على أنّ الّذي غرّقهم بعض الماء، وأنّهم لم يغرقوا بجميعه؛ وهذا الوجه حكى عن الفرّاء، وذكره أبو بكر الأنبارىّ، واعتمده، وغيره أوضح منه.
واليم هو البحر، قال الشاعر:
وبنى تبّع على اليمّ قصرا … عاليا مشرفا على البنيان
وثانيها أن يكون المعنى: فغشيهم من اليم ما غشى موسى وأصحابه؛ وذلك أن موسى عليه السلام وأصحابه، وفرعون وأصحابه سلكوا جميعا البحر، وغشيهم كلّهم؛ إلّا أنّ فرعون وقومه لمّا غشيهم غرّقهم، وموسى عليه السلام وقومه جعل لهم فى البحر طريق يبس، فقال تعالى:
فغشى فرعون وقومه من ماء اليم ما غشى موسى وقومه، فنجا هؤلاء، وهلك هؤلاء.
وعلى هذا الوجه والتأويل تكون الهاء فى قوله: ما غَشِيَهُمْ كناية عن غير من كنّى عنه بقوله: فَغَشِيَهُمْ؛ لأن الأولى كناية عن فرعون وقومه، والثانية كناية عن موسى وقومه.
وثالثها أنه غشيهم من عذاب اليمّ وإهلاكه لهم ما غشى الأمم السالفة من العذاب