يفقد ما كان عليه من الكمال، وتفوته المنافع والمرافق التى كان يجعل يده ذريعة إلى تناولها؛ وهذه حال ناسى القرآن ومضيّعه (?) بعد حفظه، لأنه يفقد ما كان لا بسا له من الجمال، ومستحقا له من الثواب، وهذه عادة للعرب فى كلامهم معروفة؛ يقولون فيمن فقد ناصره ومعينه (?):
فلان بعد فلان أجدع، وقد بقى بعده أجذم؛ قال الفرزدق يرثى مالك بن مسمع (?):
تضعضع طودا وائل بعد مالك … وأصبح منها معطس العزّ أجدعا (?)
وإنما أراد المعنى الّذي ذكرناه. وللعرب ملاحن فى كلامها (?)، وإشارات إلى الأغراض، وتلويحات بالمعانى، متى لم يفهمها ويسرع إلى الفطنة بها من تعاطى تفسير كلامهم، وتأويل خطابهم كان ظالما نفسه، متعديا طوره.
ونعود إلى الكلام على ما ذكره الرجلان؛ أما أبو عبيد فإن خطأه من حيث لم يفطن للغرض فى الخبر، وضلّ عن وجهه، وإلا فالأجذم هو الأقطع لا محالة كما قال؛ إلّا أنه لا يليق بهذا الموضع، وإذا حمل عليه لم يفد شيئا؛ وإن
كانت (?) شبهته التى أوقعته فى هذا التأويل ظنّه أن ذلك يكون على سبيل العقوبة له على نسيان القرآن فليس كما ظن، لأنّ الجذم (?) أولا ليس بعقوبة؛ لأن الله تعالى قد يجذم (?) أولياءه والصالحين من عباده، ويقطّع أعضاءهم بالأمراض، وقد يبتدئ خلق من هو ناقص الأعضاء؛ فليس بلازم فى الجذم أن يكون عقوبة. ثم لو كان يستحقّ ناسى القرآن عقوبة على نسيانه لكان حفظ القرآن بأسره فرضا واجبا وحتما لازما (?)؛ لأن العقوبة لا تستحق بترك ما ليس بواجب، وليس