فى وصفه بالقدرة على تقليب القلوب وتصريفها بغير مشقّة ولا كلفة- وإن كان غيره تعالى يعجز عن ذلك، ولا يتمكّن منه- قال: إنها بين أصابعه؛ كناية عن هذا المعنى، واختصارا للّفظ الطويل، وجريا على مذهب العرب فى إخبارهم عن مثل هذا المعنى بمثل هذا اللفظ؛ وهذا الوجه يجب أن يكون مقدّما على الوجه الأول ومعتمدا؛ لأنه واضح جلىّ.
ويمكن أن يكون فى الخبر وجه آخر على تسليم ما يقترحه المخالفون، / من أنّ الإصبعين هما المخلوقتان من اللّحم والدم؛ استظهارا فى الحجّة، وإقامة لها على كل وجه:
وهو أنه لا ينكر أن يكون القلب يشتمل عليه جسمان على شكل الإصبعين، يحرّكه الله تعالى بهما، ويقلّبه بالفعل فيهما؛ ويكون وجه تسميتهما بالأصابع من حيث كانا (?) على شكلهما. والوجه فى إضافتهما إلى الله تعالى- وإن كانت جميع أفعاله تضاف إليه بمعنى الملك والقدرة- أنّه (?) لا يقدر على الفعل فيهما وتحريكهما منفردين عما (?) جاورهما غيره تعالى؛ فقيل إنهما إصبعان له؛ من حيث اختصّ بالفعل فيهما على هذا الوجه؛ لأنّ غيره إنما يقدر على تحريك القلب، وما هو مجاور للقلب من الأعضاء بتحريك جملة الجسم، ولا يقدر على تحريكه وتصريفه منفردا ممّا يجاوره غيره تعالى؛ فمن أين للمبطلين المتأوّلين هذه الأخبار بأهوائهم وضعف آرائهم أنّ الأصابع هاهنا إذا كانت لحما ودما فهى جوارح لله تعالى! وما هذا الوجه الّذي ذكرناه ببعيد؛ وعلى المتأوّل أن يورد كلّ ما يحتمله الكلام؛ ممّا لا تدفعه حجّة، وإن ترتّب بعضه على بعض فى القوة والوضوح.
ونحن نعود إلى تفسير ما لعلّه أن يشتبه من الأبيات التى استشهدنا بها.
أما قوله:
* حدّا (?) وجودا وندى وإصبعا*
فمعنى الحدّ: المضاء والنّفاذ.