فخصّا الحزن للمعنى الّذي ذكرنا.
وبهذا الإسناد عن ابن الأعرابىّ قال: العرب تقول جاءنا بطعام لا ينادى وليده؛ إذا جاء بطعام كثير لا يراد فيه زيادة، ووقع فى أمر لا ينادى وليده؛ يقول لا يدعى إليه الصبيان، ولا يستعان إلا بكبار الرجال فيه.
قال سيدنا الشريف المرتضى أدام الله علوه: وفى ذلك قولان آخران؛ أحدهما عن الأصمعىّ قال: أصله من الشدة تصيب القوم حتى تذهل المرأة عن ولدها فلا تناديه لما هى فيه، ثم صار مثلا لكل شدة، ولكل أمر عظيم. والقول الآخر عن الكلابىّ قال:
أصله من الكثرة والسّعة، فإذا أهوى الوليد إلى شيء لم يزجر عنه حذر الإفساد، لسعة ما هم فيه، ثم صار مثلا لكل كثرة؛ قال الفرّاء: وهذا القول يستعان به فى كل موضع يراد به الغاية، وأنشد:
لقد شرعت كفّا يزيد بن مزيد … شرائع جود لا ينادى وليدها
وبالإسناد الّذي تقدم عن ابن الأعرابىّ قال: دخل ودفة (?) الأسدىّ على معن بن زائدة الشّيبانىّ فقال: إن رأيت أكرمك الله أن تضعنى من نفسك بحيث وضعت نفسى من رجائك؛ فإنك قد بلغت حالا لو أعتقنى الله فيها بكرمك من تنصّف (?) الرجال بعدك لم يكن كثيرا، وإنّى قد قدّمت الرجاء، وأحسنت الثناء، ولزمت الحفاظ، ثم أنشأ يقول:
يا معن إنك لم تنعم على أحد … فشاب نعماك تنغيص ولا كدر
/ فانظر إلى بطرف غير ذى مرض … فربّما صحّ لى من طرفك النّظر
أيّام وجهك لى طلق يخبّرنى … إذا سكتّ بما تخفى وتضطمر
ومن هواك شفيع ليس يغفلنى … وإن نأيت وإن قلّت بى الذّكر