قد أدخل وتركنا، فقال: كثيرا ما يكون ذلك، فأطال اللّبث، ثم خرج الربيع وهو متوكّئ عليه، والربيع يقول: يا غلام، حمار أبى عثمان، فما برح حتى أتى بالحمار، فأقرّه على سرجه؛ وضمّ إليه نشر (?) ثوبه، واستودعه الله.
فأقبل عمارة على الربيع فقال: لقد فعلتم اليوم بهذا الرجل ما لو فعلتموه بوليّ عهدكم لقضيتم ذمامه. قال: فما غاب عنك ممّا فعل به أكثر وأعجب، قال عمارة: فإن اتّسع لك الحديث فحدّثنا.
فقال الربيع: ما هو إلّا أن سمع الخليفة بمكانه، فما أمهل حتى أمر بمجلس ففرش لبودا، ثم انتقل إليه والمهدىّ معه عليه سواده وسيفه؛ ثم أذن له، فلما دخل عليه سلّم بالخلافة، فردّ عليه وما زال يدنيه حتى أتكأه فخذه وتحفّى به، ثم سأله عن نفسه وعن عياله، يسمّيهم رجلا رجلا، وامرأة امرأة، ثم قال: يا أبا عثمان، عظنا فقال: أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم [بسم الله الرحمن الرحيم] (?): وَالْفَجْرِ. وَلَيالٍ عَشْرٍ. وَالشَّفْعِ وَالْوَتْرِ؛ [الفجر: 1 - 3]، ومرّ فيها إلى آخرها، وقال: إنّ ربك يا أبا جعفر لبالمرصاد، قال: فبكى بكاء شديدا؛ كأنه لم يسمع تلك الآيات إلّا تلك الساعة، ثم قال: زدنى، فقال: إن الله أعطاك الدنيا بأسرها، فاشتر نفسك منه يبعضها، واعلم أن هذا الأمر الّذي صار إليك إنما كان فى يد من كان قبلك، ثم أفضى إليك، وكذلك يخرج منك إلى من هو بعدك، وإنى أحذّرك ليلة تمخّض (?) صبيحتها عن يوم القيامة. قال: فبكى أشدّ من بكائه الأول حتى رجف جنباه.
وفى رواية أخرى أنه لما انتهى إلى آخر السورة قال: إنّ ربّك لبالمرصاد لمن عمل مثل عملهم، أن ينزل به مثل ما نزل بهم، فاتّق الله، فإنّ من وراء بابك نيرانا تأجّج من الجور،