لم يكن فى معلومه تعالى أنّ لهم توفيقا، وأنّ فى الأفعال ما يختارون عنده الإيمان؛ فاختصاص هذه النعم ببعض العباد لا يمنع من شمول نعم أخر لهم؛ كما أن شمول تلك النعم لا يمنع من اختصاص هذه.
روى أبو مسعود البدرىّ عن النبي صلى الله عليه وآله أنه قال: «ممّا أدرك الناس من كلام النبوّة الأولى إذا لم تستحى فاصنع (?) ما شئت».
وفى هذا الخبر وجوه من التأويل ثلاثة:
أحدها أن يكون معناه: إذا عملت العمل لله جلّ وعزّ وأنت لا تستحيى من الناظرين إليك، ولا تتخوّفهم (?) أن ينسبوك فيه إلى الرياء صنعت ما شئت، لأن فكرك فيهم، ومراقبتك لهم يقطعانك عن استيفاء شروط عملك، ويمنعانك من القيام بحدوده وحقوقه؛ وإذا اطّرحت الفكر توفّرت على استيفاء عملك.
والوجه الثانى أنّ من لم يستحى من المعاير والمخازى والفضائح صنع ما شاء، والظاهر (?) ظاهر أمر، والمعنى معنى تغليظ وإنكار؛ مثل قوله تعالى: اعْمَلُوا ما شِئْتُمْ؛ [فصلت: 40]، وقوله عز وجل: فَمَنْ شاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شاءَ فَلْيَكْفُرْ؛ [الكهف: 29]؛ وهذا نهاية التغليظ والزجر والإخبار عن كبر (?) الذنب فى اطّراح الحياء؛ ويجرى مجرى قولهم: بعد أن فعل فلان كذا فليفعل ما يشاء، وبعد أن أقدم على كذا فليقدم على ما شاء؛ والمعنى المبالغة فى عظم ما ارتكبه، وقبح (?) ما اقترفه.
والوجه الثالث أن يكون معنى الخبر إذا لم تفعل ما تستحيى منه فافعل ما شئت؛