وقوم جعلوا النهى داخلا فى حيّز الأمر، ولذلك لم يذكره الأخفش، قالوا: لأنك إذا قلت: لا تأكل، كان بمنزلة قولك: دع الأكل.
وعند قوم من المحقّقين أن الصّيغتين تدلاّن على معنيين، كلّ واحد منهما قائم بنفسه، وإن اشتركا فى بعض المواضع.
وقد أدخل قوم النّداء فى باب الأمر، فقالوا: إذا قلت: يا رجل، فكأنك قلت:
تنبّه، وليس هذا القول بشىء، لأنك إذا قلت: يا زيد، لم تقل (?): قد أمرته، وقال بعضهم: النداء خبر من/وجه، وغير خبر من وجه، فإذا قلت: يا فسق، فهذا خبر، لدخول التصديق والتكذيب فيه، فلذلك أوجب الفقهاء الحدّ على القاذف (?) بهذا اللفظ، فإذا قلت: يا زيد، فليس بخبر، لامتناع التصديق والتكذيب فيه.
وجعل بعض أهل العلم التعظيم (?) لله سبحانه، معنى مفردا، وكذلك التعجّب، وأدخلهما آخرون فى الخبر، فقالوا: إذا قال القائل: لا إله إلا الله، فقد أخبر أنه معترف بذلك، وأنه من أهل هذه المقالة، وقال من جعله معنى بنفسه: لو كان تعظيم الله خبرا محضا، لما جاز أن يتكلّم به المرء خاليا ليس معه من يخاطبه [به (?)] ولكنه تعبد لله، وإقرار بربوبيّته، يتعرّض به قائله للثواب، ويتجنّب العقاب، فهؤلاء جعلوا هذا الضّرب من الكلام خارجا عن الخبر المحض، كقول المرء خاليا بنفسه: أساء إلىّ فلان، وغصبنى مالى، وأشمت بى عدوّى، يقول ذلك على وجه التحزّن والتفجّع، وكذلك يقول على وجه التشكّر (?): أحسن إلىّ فلان، وبذل لى ماله وجاهه، فجعلوا التعظيم لله معنى على حدته، وإن كان بلفظ الخبر.