أخيراً فِي حَضْرَة السُّلْطَان العثماني، فَلَا تستنكف عَن الأذعان الديني لَهُ بسهولة؟
قَالَ الْأَمِير: أَن حَضْرَة السُّلْطَان الْمُعظم يصلح أَن يكون عضداً عَظِيما فِي الْأَمر، أما إِذا أَرَادَ أَن يكون هُوَ الْقَائِم بِهِ فَلَا يتم قَطْعِيا، لِأَن الدّين شَيْء وَالْملك شَيْء آخر، وَالسُّلْطَان غير الدولة.
قَالَ الصاحب: مَا فهمت المُرَاد من أَن الدّين غير الْملك وان السُّلْطَان غير الدولة، فَهَل يتفضل مولَايَ الْأَمِير بإيضاح ذَلِك؟
قَالَ الْأَمِير: أُرِيد أَن احترام الشعائر الدِّينِيَّة فِي اكثر مُلُوك آل عُثْمَان هِيَ ظواهر مَحْضَة؛ وَلَيْسَ من غرضهم، بل وَلَا من شَأْنهمْ، أَن يقدموا الاهتمام بِالدّينِ على مصلحَة الْملك، وَهَذَا مرادي بِأَن الدّين غير الْملك , وعَلى فرض إرادتهم تَقْدِيم الدّين على الْملك، لَا يقدرُونَ على ذَلِك، وَلَا تساعدهم الظروف المحيطة بهم؛ حَيْثُ دولهم مؤلفة من لفيف أهل أَدْيَان وَنحل مُخْتَلفَة؛ كَمَا أَن الْهَيْئَة الَّتِي تتشكل مِنْهَا الدولة، اعني الوزراء، هم كَذَلِك لفيف مُخْتَلف الْأَدْيَان والجنسيات، وَهَذَا مرادي بِأَن السُّلْطَان غير الدولة. بِنَاء عَلَيْهِ، خدمَة الْحَرَمَيْنِ ولقب الْخلَافَة ورسوخ الْملك ووفرة القوى، كلهَا لَا تَكْفِي للمرجع فِي الدّين. نعم إِذا بذل آل عُثْمَان الْعِظَام قوتهم فِي تعضيد