ومن رأى أنّه حقّ لله تعالى قال: النِّكاح غير منعقد أصلاً.
هذا حاصل ما ذكره ابن رشد من أسباب الخلاف في هذه المسألة1.
ونحن إذا تأمّلناها وجدنا أنّ أقوى حجّة مع من لم يشترط الترتيب هو المطالبة بإقامة الدليل الصريح على اشتراطه شرعاً، ولكن يعكّر على حجّتهم هذه أنّ قولهم لم يطّرد في جميع الأولياء بل فرّقوا بين الوليّ المجبر وغير المجبر، فاشترطوه حقّاً للوليّ المجبر دون غيره، فقالوا: إنّه لا يتقدّم على الأب في ابنته البكر أحد، فإن تقدّم أحد غيره فزوّجها فالنِّكاح مفسوخ، ولو أجازه الأب بعد ذلك، وهذا بداية الطريق للتسليم باشتراط الترتيب بين الأولياء، وإلاّ فما الفرق؟
والذي يظهر لي والله أعلم أنّ الحجّة هنا في اشتراط الترتيب بين الأولياء هي في تحقيق معنى الوليّ لغة وشرعاً وعرفاً، أيشمل مطلق الأقارب بعدوا أم قربوا؟ أم هو خاص بالأقرب فالأقرب، وفيما يظهر لي: أنّ الاحتمال وارد في كلّ منهما، إلاّ أنّ أقربهما صواباً هو اعتبار الأقرب فالأقرب لما يلي:
أولاً: أنّ الأقرب وليّ لغة وشرعاً وعرفاً اتفاقاً، ففي اعتباره احتياط للنِّكاح، بخلاف الأبعد فهو محتمل لغة وشرعاً وعرفاً، والمتَّفق عليه أولى بالتقديم خروجاً من الخلاف؛ لقوله صلى الله عليه وسلم "دع ما يَريبك إلى ما لا