وعلى هذا فالبر بالوالدين فرض عين، ولا يختص بكونهما مسلمين، بل حتى لو كانا كافرين يجب برهما والإحسان إليهما ما لم يأمرا ابنهما بشرك أو ارتكاب معصية, ففي هذه الحال عليه أن يقول لهما قولاً ليناً لطيفاً دالاً على الرفق بهما والمحبة لهما، ويجتنب غليظ القول الموجب لنفرتهما، ويناديهما بأحب الألفاظ إليهما، وليقل لهما ما ينفعهما في أمر دينهما ودنياهما، ولا يتبرم بهما بالضجر والملل والتأفف، ولا ينهرهما، وليقل لهما قولاً كريماً, ومن العجيب في هذا الباب أن بعض الفقهاء قال إذا طلب أحد الوالدين الكافرين من ولدهما إيصالهما إلى الكنيسة لعجزه عن الوصول إليها، فالواجب على الولد إيصاله إليها، ووجوب البر بهما في هذا الأمر مقيد بحال الطلب ووجود العجز، وإلا لم يجب نص على هذا فقهاء المالكية.

وقال ابن عاشور (قال فقهاؤنا: إذا أنفق الولد على أبويه الكافرين الفقيرين وكان عادتهما شرب الخمر اشترى لهما الخمر لأن شرب الخمر ليس بمنكر للكافر، فإن كان الفعل منكراً في الدينين فلا يحل للمسلم أن يُشايع أحد أبويه عليه .... انتهى) واعلم أني أورد هذه الأقوال لا لترجيحها بل لحكايتها بياناً لأهمية بر الوالدين , واعلم أخي القارىء أن الأقارب الكفار الغير محاربين يُلحقون بالوالدين الكافرين من المصاحبة في الدنيا بالمعروف وخاصة إذا كان يعسر التحرز من هجرهم لسببٍ ما , فعن البراء بن عازب رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال (الخالة بمنزلة الأم) رواه الترمذي وقال حديث حسن صحيح , إلا أنه ينبغي أن يُعلم بأن مشروعية التعامل بالإحسان والبر بالوالدين الكافرين وصحبتهما بالمعروف وصلة الرحم الكافرة يكون دون موالاتهم وطاعتهم فيما يريدون من الشرك ومعصية الله تعالى.

التاسع: جواز صلة القريب منهم دون موالاته , وإدخال الرحم الكافرة البيت لا إثم فيه , فيجوز للمسلم أن يصل قريبه غير المسلم، بل ويستحب له إذا كان على الوجه الشرعي لقوله تعالى (لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (8) إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَأَخْرَجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ وَظَاهَرُوا عَلَى إِخْرَاجِكُمْ أَن تَوَلَّوْهُمْ وَمَن يَتَوَلَّهُمْ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ).

يقول ابن سعدي رحمه الله في تفسير هذه الآيات (ولما نزلت هذه الآيات الكريمات-يقصد أول سورة الممتحنة- المهيجة على عداوة الكافرين، وقعت من المؤمنين كل موقع، وقاموا بها أتم القيام، وتأثموا من صلة بعض أقاربهم المشركين، وظنوا أن ذلك داخل فيما نهى الله عنه. فأخبرهم الله أن ذلك لا يدخل في المحرم فقال: {لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} أي: لا ينهاكم الله عن البر والصلة، والمكافأة بالمعروف، والقسط للمشركين، من أقاربكم وغيرهم، حيث كانوا بحال لم ينتصبوا لقتالكم في الدين والإخراج من دياركم، فليس عليكم جناح أن تصلوهم، فإن صلتهم في هذه الحالة، لا محذور فيها ولا مفسدة كما قال تعالى عن الأبوين المشركين إذا كان ولدهما مسلماً: {وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا} , [وقوله:] {إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015