يلبسونها وكذلك بيع العصير لمن يتخذه خمرا. اهـ.
اعلم أن معاشرة الكافر والفاسق المسلم ممن لهم حق واجب في الصلة والعشرة تختلف عن معاشرة غيرهم ويُغتفر فيها مالا يُغتفر في غيرها ويدلك على هذا أن بعض أهل العلم ذكر أنه إذا طلب أحد الوالدين الكافرين من ولدهما إيصالهما إلى الكنيسة لعجزه عن الوصول إليها، فالواجب على الولد إيصاله إليها، نص على هذا فقهاء المالكية , وقال ابن عاشور قال فقهاؤنا: (إذا أنفق الولد على أبويه الكافرين الفقيرين وكان عادتهما شرب الخمر اشترى لهما الخمر لأن شرب الخمر ليس بمنكر للكافر، فإن كان الفعل منكراً في الدينين فلا يحل للمسلم أن يُشايع أحد أبويه عليه ... انتهى. قلتُ وهذا لا يجوز لمخالفته الآية الكريمة "ولا تعاونوا على الإثم والعدوان " لكني أوردته لبيان التقرير أعلاه , وذكر أهل العلم أن الزواج بالكتابية يستلزم أيضاً السماح لها بالبقاء على دينها إن شاءت وعدم الوقوف في وجه أدائها لشعائر هذا الدين إن أرادت وأن لا تُجبر على الإسلام ولا تدخل فيه إلا برضاها وهذا من المعلوم من الدين ضرورة لا يماري فيه إلا جاهل , وقرر أهل العلم بأن الوالدين في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ليس الأب كالأجنبي وكذلك ألحقوا بهما الأزواج وقالوا إذا رأى الولد مُنكراً من والديه يأمرهما فإن قبلا فبها وإن كرها سكت عنهما , وأقوال أهل العلم في هذا الباب كثيرة وهي إن دلت على شيء فهي تدل على ما قررناه ابتداءً من أن معاشرة الكافر والفاسق المسلم ممن له حق واجب في الصلة والعشرة تختلف عن معاشرة غيرهم ويُغتفر فيها مالا يُغتفر في غيرها.
المنهج التفصيلي للتعامل مع الكفار المُسالمين المُحايدين (غير المحاربين):
إذا وُجد من الكفار من يرغب التعامل مع المسلمين على أساس السلم وتبادل المنافع والاحترام المتبادل وإطلاق حرية الدعوة إلى الله بين أفرادهم وداخل مجتمعاتهم وأن يقفوا موقف الحياد في قتال المسلمين عدواً ذا شوكة فيجب مسالمتهم, ومسالمة من يقف مع المسلمين موقف الحياد واجبة فلا يُحاربهم ولا يُعين عليهم محارباً ويجب الكف عن أذاهم وحسن معاملتهم ولا ينبغي معاداتهم وفي ذات الوقت لا تصح موالاتهم على الوجه المحرم وإنما يُعاملون بالعدل والإحسان والبر فلا يُعادون عداوة المحاربين ولا يوالون موالاة المؤمنين وإنما يجوز معهم التعامل على أساس العدل والصلة بالمعروف وكف الأذى والعدوان عنهم بل ويُشرع في حقهم برهم من غير مودة باطنة لهم وأهل العلم قد اتفقوا على أن كل صلة وبر وإحسان لا يستلزم التحابب والتوادد للكفار مشروع بإجماع من يُعتد برأيه من أهل العلم.
قال تعالى:"لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ" [والبر: هو أعلى أنواع المعاملة، وهو الذي وضحه رسول الله صلّى الله عليه وسلّم بقوله (البرَ حسن الخلق (فيشملّ جميع أنواع الإحسان، من إيصال الخير المعنوي، والحسيَ إليهم ما داموا بهذا الوصف.
وهذا العدل والإحسان يشمل حتى الحرَبي الأسير، لقوله تعالى في وصف الأبرار} وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا (8) إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لا