وهؤلاء لا بأس بصداقتهم حينئذ وإن كان خلاف الأولى. والقسم الثاني: وهم من كان شرهم راجح على خيرهم وهؤلاء صداقتهم مما يُخالف قول النبي - صلى الله عليه وسلم - (إِنَّمَا مَثَلُ الجليس الصالحُ والجليسُ السوءِ كحامِلِ المسك، ونافخِ الكِيْرِ، فحاملُ المسك إِما أن يُحْذِيَكَ، وإِما أن تبتاع منه، وإِمَّا أن تجِدَ منه ريحا طيِّبة، ونافخُ الكير إِما أن يَحرقَ ثِيَابَكَ، وإِما أن تجد منه ريحا خبيثَة). أخرجه البخاري ومسلم. وقال النووي في شرح صحيح مسلم عند كلامه على الحديث: (إنما مثل الجليس الصالح والجليس السوء ... الحديث) قال: وفيه فضيلة الصالحين وأهل الخير والمروءة ومكارم الأخلاق والورع والعلم والأدب, والنهي عن مجالسة أهل الشر وأهل البدع ومن يغتاب الناس, أو يكثر فجره وبطالته ونحو ذلك من الأنواع المذمومة. انتهى.

وقد حض أهل العلم على مصاحبة أهل الخير ومخالطتهم ومجالستهم, والبعد عن رفقاء السوء, واستدلوا لذلك بحديث مسلم في من قتل مائة نفس حيث أمره العالم بالانتقال من أرضه إلى أرض بها أناس صالحون ليعبد الله معهم، فقال له): انطلق إلى أرض كذا وكذا, فإن بها أناساً يعبدون الله فاعبد الله معهم، ولا ترجع إلى أرضك فإنها أرض سوء. (وبحديث أبي داود: (الرجل على دين خليله فلينظر أحدكم من يخالل) وبحديث أحمد: (لا تصاحب إلا مؤمناً. (

وقال سبحانه وتعالى} وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ}.

قال القرطبي: الصحيح في معنى الآية أنها دالة على هجران أهل الكفر والمعاصي من أهل البدع وغيرهم , فإن صحبتهم كفر، أو معصية, إذ الصحبة –قلتُ يقصد الصداقة بالمصطلح الذي اصطلحته في هذه الرسالة-لا تكون إلا عن مودة. انتهى ويقول الشيخ عبد العزيز بن باز – رحمه الله – وقد سئل عن الموقف ممن يفعل بعض الكبائر -: (من يتهم بهذه المعاصي تجب نصيحته وتحذيره منها ومن عواقبها السيئة، وأنها من أسباب مرض القلوب وقسوتها وموتها، أما من أظهرها وجاهر بها: فالواجب أن يُقام عليه حدُّها، وأن يُرفع أمره إلى ولاة الأمور، ولا تجوز صحبتهم، ولا مجالستهم، بل يجب هجرهم لعل الله يهديهم ويمنُّ عليهم بالتوبة، إلا أن يكون الهجر يزيدهم شرّاً: فالواجب الإنكار عليهم دائماً بالأسلوب الحسن والنصائح المستمرة حتى يهديهم الله، ولا يجوز اتخاذهم أصحاباً–قلتُ أيضاً يقصد صداقتهم لا مطلق المصاحبة -، بل يجب أن يستمر في الإنكار عليهم وتحذيرهم من أعمالهم القبيحة.) " فتاوى إسلامية " (4/ 520).

وقد روى الدينوري فِي الْمُجَالَسَةِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه قَالَ: لَا تُوَاخِ الْفَاجِرَ فَإِنَّهُ يُزَيِّنُ لَك فِعْلَهُ وَيُحِبُّ لَوْ أَنَّك مِثْلُهُ , وَمَدْخَلُهُ عَلَيْك وَمَخْرَجُك مِنْ عِنْدِهِ شَيْنٌ وَعَارٌ , وَلَا الْأَحْمَقَ فَإِنَّهُ يُجْهِدُ نَفْسَهُ لَك وَلَا يَنْفَعُك , وَرُبَّمَا أَرَادَ أَنْ يَنْفَعَك فَضَرَّك , فَسُكُوتُهُ خَيْرٌ مِنْ نُطْقِهِ , وَبُعْدُهُ خَيْرٌ مِنْ قُرْبِهِ , وَمَوْتُهُ خَيْرٌ مِنْ حَيَاتِهِ , وَلَا الْكَذَّابَ فَإِنَّهُ لَا يَنْفَعُك مَعَهُ عِشْرَةٌ , يَنْقُلُ حَدِيثَك وَيَنْقُلُ الْحَدِيثَ إلَيْك , وَإِنْ تَحَدَّثَ بِالصِّدْقِ لَا يُصَدَّقُ.

وَقِيلَ مَكْتُوبٌ فِي التَّوْرَاةِ مَنْ اصْطَنَعَ مَعْرُوفًا إلَى أَحْمَقَ فَهِيَ خَطِيئَةٌ مَكْتُوبَةٌ عَلَيْهِ.

وَقَالَ بَعْضُهُمْ: صَارِمْ الْأَحْمَقَ فَلَيْسَ لَهُ خَيْرٌ مِنْ الْهِجْرَانِ.

وَقَالَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ: هِجْرَانُ الْأَحْمَقِ قُرْبَةٌ إلَى اللَّهِ تَعَالَى.

وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْقُدُّوسِ فِي قَافِيَتِهِ: وَلَأَنْ يُعَادِيَ عَاقِلًا خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَكُونَ لَهُ صَدِيقٌ أَحْمَقُ وَقَالَ بَعْضُهُمْ: اتَّقِ الْأَحْمَقَ لَا تَصْحَبْهُ إنَّمَا الْأَحْمَقُ كَالثَّوْبِ الْخَلَقِ فَهُوَ إنْ رَقَعْته مِنْ جَانِبٍ عَادَ

طور بواسطة نورين ميديا © 2015