بغضه على ما معه من الشر قاطعاً وقاضياً على ما معه من الخير فلا يحبه ألبته , وعلى هذا فإذا اجتمع في الرجل الواحد خير وشر وفجور وطاعة ومعصية وسنة وبدعة استحق من الموالاة والثواب بقدر ما فيه من الخير واستحق من البراءة والعقاب بحسب ما فيه من الشر ويجتمع في الشخص الواحد موجبات الإكرام والإهانة كاللص تُقطع يده لسرقته ويُعطى من بيت المال ما يكفيه لحاجته , وهذا الصنف درجات فمنهم من تغلب محبته في الله ومنهم من يغلب بغضه في الله دون إهمال حقه من الولاية العامة وذلك أن عصاة المؤمنين وأهل البدع غير المكفرة صنفان الصنف الأول هم من يرجح خيرهم على شرهم فهؤلاء تترجح محبتهم ومودتهم على بغضهم والبراءة منهم , وإن رجح شرهم على خيرهم فالعكس , والحكم في ذلك للغالب منهما علماً بأن بغض عصاة المؤمنين وأهل البدع غير المكفرة الراجح شرهم على خيرهم واجب على جهة العموم، أما أفرادهم فبغضهم مستحب ولا يصل إلى درجة الوجوب , وأما محبة أفرادهم في الله فمكروه ولا يصل إلى درجة التحريم وعلى هذا لا يجب وجوبًا مطلقًا قطع الموالاة بين الفساق والعصاة من المسلمين وبين بقية المسلمين كما هو الشأن مع الكفار الخارجين على الإسلام وإذا أردت الدليل على ذلك فهذا عبد الله بن حمار عبد الله، كان يلقب حماراً. قال ابن حجر: كان يهدي إلى النبي صلى الله عليه وسلم ويضحكه في كلامه ... انتهى. وهو رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم - كان يشرب الخمر، فأتي به إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فلعنه رجل وقال: ما أكثر ما يؤتى به، فقال النبي صلى الله عليه وسلم (لا تلعنه فإنه يحب الله ورسوله) مع أنه صلى الله عليه وسلم لعن الخمر وشاربها وبائعها وعاصرها ومعتصرها وحاملها والمحمولة إليه , وبالجملة علينا أن ننظر إلى عصاة المؤمنين بعين الرحمة والشفقة دون أن يحملنا ذلك على التعالي عليهم، أو أننا أحسن منهم؛ فلو شاء الله تعالى كنا مثلهم أو أسوأ منهم، والقلب بين أصابع الرحمن، وربما وُجد عند من يعمل بعض الفسق من العبودية لله في بعض أحواله ـ بسبب احتقاره لنفسه وعمله وبسبب ذله لله ـ أعظم ممن ظاهره الصلاح وباطن قلبه العجب والإدلال على الله بالعمل.
وبهذا يتبين للمسلم بأن الظن في أن البراءة من أصحاب المعاصي يقتضي مقاطعتهم نهائياً والمساواة بينهم وبين الكفار ظن خاطيء , وإن على المؤمن أن يوالي في الله كما ذكرنا، فإن كان هناك مؤمن فعليه أن يواليه وإن ظلمه فإن الظلم لا يقطع الموالاة الإيمانية قال تعالى: {وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما {فجعلهم إخوة مع وجود القتال والبغي، وأمر بالإصلاح بينهم، فليتدبر المؤمن: أن المؤمن تجب موالاته وإن ظلمك واعتدى عليك، والكافر تجب معاداته أو البراءة منه بحسب كفره وإن أعطاك وأحسن إليك , فإن الله سبحانه بعث الرسل، وأنزل الكتب ليكون الدين كله لله فيكون الحب لأوليائه والبغض لأعدائه، والإكرام والثواب لأوليائه والإهانة والعقاب لأعدائه.
القسم الثالث: من يُبغض جملة وهو من كفر بالله وملائكته ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره وبغض الكفار درجات متفاوتة وكما يتفاوت حب أهل الإيمان بحسب رسوخهم وإمامتهم فيه فكذلك تتفاوت معاداة وبغض الكفار والبراءة منهم بحسب رسوخهم وإمامتهم فيه فالكافر المحارب للدين وأهله له أولى من بغض الكافر المسالم , علماً بأن البغض في الله لأفراد الكفار المسالمين للدين وأهله مستحب ويُجزيء عن بغضهم في الله عدم مودتهم على الأقل والبراءة منهم , وأما مجموع الكفار فيجب بغضهم في الله والعداوة لأهل الحرب منهم.