آتَيْتُمُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ وَلاَ مُتَّخِذِي أَخْدَانٍ) ومن المعلوم أن الزواج من الكتابية يستلزم مودتها أو على الأقل إباحة مودتها والتي أشار الله إليها -جل وعلا- في كتابه (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) , وقال تعالى في حق ما يُضمره نبيه عليه الصلاة والسلام تجاه عمه أبي طالب (إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَن يَشَاء وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ) على أحد التفسيرين للآية وهو الأظهر.
تكون البراءة من المعصية دون فاعل المعصية ولو كانت هذه المعصية كفراً أكبر إذا كان فاعل المعصية معذوراً عند الله إما بالتأول أو الجهل الذي ليس فيه تفريط أو نسيان أو خطأ أو هذيان أو نحو ذلك , فعن عبد الله بن عمر - رضي الله عنهما -: قال: «بعثَ النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- خالدَ بنَ الوليد إِلى بني جَذِيمةَ، فدعاهم إِلى الإِسلام، فلم يُحسِنُوا أن يقولوا: أسْلَمْنا، فجعلوا يقولون: صَبَأْنَا، صَبَأْنَا، فجعل خالد بن الوليد يقتل ويأسر، ودفع إِلى كُلِّ رجل مِنَّا أسيرَهُ، فقلتُ: والله، لا أقتلُ أسيري، ولا يَقْتُلُ رجل من أصحابي أسيرَهُ، حتى قَدِمْنا على رسولِ الله -صلى الله عليه وسلم-، وذكرناه، فرفع يَدَيْهِ، فقال: اللهم إِني أبْرَأْ إِليك مما صنع خالد - مرتين -». أخرجه البخاري، والنسائي. فهنا رسول الله عليه الصلاة والسلام تبرأ مما صنع خالد ومن عمله رضي الله عنه دون شخص خالد , وذلك لأن خالد كان متأولاً معذوراً عند الله.
المحبة تنقسم إلى قسمين:
القسم الأول: محبة عبادة وهي التي توجب التذلل والتعظيم، وأن يقوم بقلب الإنسان من إجلال المحبوب وتعظيمه ما يقتضي أن يتمثل أمره ويجتنب نهيه، وهذه خاصة بالله، فمن أحب مع الله غيره محبة عبادة فهو مشرك شركاً أكبر, ويُعبَر العلماء عنها بالمحبة الخاصة , ومحبة الله على درجتين: إحداهما: فرض، وهي المحبة المقتضية لفعل أوامره الواجبة، والانتهاء عن زواجره المحرمة، والصبر على مقدوراته المؤلمة، فهذا القدر لا بد منه في محبة الله، وإنما يحصل الوقوع فيما يكرهه الله لنقص محبة الله الواجبة في القلوب، وتقديم الهوى والنفس على محبته، وبذلك ينقص الإيمان.
والدرجة الثانية من المحبة: وهي فضل المتسحب أن ترتقي المحبة من ذلك إلى التقرب بنوافل الطاعات، والانكفاف عن دقائق الشبهات والمكروهات، والرضا بالأقضية المؤلمات.
القسم الثاني: محبة مشتركة ليست بعبادة في ذاتها وهذه نوعان:
النوع الأول: المحبة لله وفي الله وهي محمودة: وذلك بأن يكون الجالب لها محبة الله أي كون الشيء محبوباً لله تعالى من أشخاص كالأنبياء والرسل والصديقين والشهداء والصالحين، أو أعمال كالصلاة والزكاة وأعمال الخير, وميزان المحبة للأشخاص الخالصة لله: أنها لا تزيد بالبر ولا تنقص بالجفاء.
النوع الثاني: محبة لغير الله وهي صورتين:
الأولى: مذمومة وهي محبة ما يبغضه الله من كفر وفسوق وعصيان, ومحبة الشخص الكافر لكفره كفر أو الفاسق لفسقه , فمحبّة الشخص الكافر لكفره فهذه كفر , وأما محبّة