المفهوم الشرعي للموالاة والبراءة والمعاداة: ... لقد تحدث جمع من أفاضل العلماء عن المفهوم الشرعي للموالاة والتولي والمعاداة، بصيغ متعددة تختلف ألفاظها، وإن كان هناك توافق وتطابق في بعض المعاني المقصودة بهذه الصيغ، وهذه التعاريف هي كما يلي: ... أولاً: يعرف الشيخ عبد اللطيف بن عبد الرحمن، الموالاة والمعاداة فيقول: أصل الموالاة: الحب، وأصل المعاداة، البغض، وينشأ عنهما من أعمال القلب والجوارح ما يدخل في حقيقة الموالاة , والمعاداة، كالنصرة والأنس، والمعاونة والجهاد، والهجرة ونحو ذلك من الأعمال اهـ. ... ثانياً: يقول الشيخ عبد الله بن عبد العزيز العنقري، أن الموالاة هي: الموافقة والمناصرة والمعاونة، والرضا بأفعال من يواليهم، وهذه هي الموالاة العامة، التي إذا صدرت من مسلم لكافر اعتبر صاحبها كافراً اهـ. ... ثالثاً: قال بعض أهل العلم أن الولاء في الله هو: محبة الله ونصرة دينه، ومحبة أوليائه ونصرتهم. والبراء هو: بغض أعداء الله ومجاهدتهم. ... رابعاً: بعض أهل العلم عرف الولاء والولاية بأنه النصرة والمحبة والإكرام والاحترام والكون مع المحبوبين ظاهراً وباطناً. ... وقالوا أن تعريف البراء: هو البعد والخلاص والعداوة بعد الإعذار والإنذار. ... خامساً: تعريف الولاء والبراء عند شيخ الإسلام ابن تيمية: يقول ابنُ تيميَّة - رحمه الله -: " (الولاية) ضد العَداوة، وأصل الولاية المحبَّة والقُرب، وأصل العداوة البغض والبعد، وقد قيل: إنَّ الولي سُمِّي وليًّا من موالاته للطاعات؛ أي: متابعته لها، والأول أصَحُّ، والولِيُّ: القريب، فيقال: هذا يلي هذا؛ أي: يقرب منه، ومنه قوله - صلى الله عليه وسلم -: ((ألحقوا الفرائض بأهلِها، فما أبقت الفرائض فَلأَوْلَى رجلٍ ذَكَر))؛ أي: لأقرب رجل إلى الميت، فإذا كان ولي الله هو الموافق المتابع له فيما يحبه ويرضاه، ويبغضه ويسخطه، ويأمر به وينهى عنه - كان المعادي لوليه مُعاديًا له؛ كما قال الله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَتَّخِذُوا عَدُوِّي وَعَدُوَّكُمْ أَوْلِيَاءَ تُلْقُونَ إِلَيْهِمْ بِالْمَوَدَّةِ}، فمَن عادى أولياء الله فقد عاداه، ومَن عاداه فقد حارَبَهُ، فلهذا قال: ((ومَن عادى لي وليًّا، فقد بارَزَنِي بالمُحَاربة)). ... ويقول ابن سعدي رحمه الله: (ولما عقد الله الأخوة والمحبة والموالاة والنصرة بين المؤمنين، ونهى عن موالاة الكافرين كلهم من يهود ونصارى وملحدين ومشركين وغيرهم؛ كان من الأصول المتفق عليها بين المسلمين: أنَّ كل مؤمن موحِّد تارك لجميع المكفرات الشرعية تجب محبته وموالاته ونصرته، وكل من كان بخلاف ذلك وجب التقرب إلى الله ببغضه ومعاداته، وجهاده باللسان واليد بحسب القدرة والإمكان، وحيث أن الولاء والبراء تابعان للحب والبغض؛ فإن أصل الإيمان أن تحب في الله أنبياءه وأتباعهم، وتبغض في الله أعداءه وأعداء رسله) [الفتاوى السعدية، الشيخ عبد الرحمن بن سعدي، (1/ 98)]. ... وقد ورد عن ابن عباس رضي الله عنهما قوله (من أحب في الله، وأبغض في الله ووالى في الله، وعادى في الله، فإنما تنال ولاية الله بذلك، ولن يجد عبد طعم الإيمان وإن كثرت صلاته وصومه حتى يكون كذلك، وقد صارت عامة مؤاخاة الناس على أمر الدنيا، وذلك لا يجدي على أهله شيئاً) , والحب والبغض هما أصلا الموالاة والمعاداة وأصل الموالاة هي المحبة كما أن أصل المعاداة هي البغض فإن التحاب يوجب التقارب والاتفاق والتباغض يوجب