اعتقاد التصديق وإن سمي تصديقاً – فليس هو التصديق المستلزم للإيمان, فعليك بمراجعة هذا الأصل ومراعاته.
وهاهنا أصل آخر: وهو أن الكفر نوعان: كفر عمل، وكفر جحود وعناد , فكفر الجحود: أن يكفر بما علم أن الرسول جاء به من عند الله جحوداً وعناداً، من أسماء الرب وصفاته وأفعاله وأحكامه , وهذا الكفر يضاد الإيمان من كل وجه وأما كفر العمل: فينقسم إلى ما يضاد الإيمان، وإلى ما لا يضاده.
فالسجود للصنم، والاستهانة بالمصحف، وقتل النبي وسبه يضاد الإيمان.
وأما الحكم بغير ما أنزل الله، وترك الصلاة فهو من الكفر العملي قطعاً، ولا يمكن أن ينفى عنه اسم الكفر بعد أن أطلقه الله ورسوله عليه , فالحاكم بغير ما أنزل الله كافر وتارك الصلاة كافر بنص رسول الله صلى الله عليه وسلم ولكن هو كفر عمل لا كفر اعتقاد , ومن الممتنع أن يسمى الله سبحانه الحاكم بغير ما أنزل الله كافراً، ويسمى رسول الله صلى الله عليه وسلم تارك الصلاة كافراً، ولا يطلق عليهما اسم الكفر.
وقد نفى رسول الله الإيمان عن الزاني والسارق وشارب الخمر، وعمن لا يأمن جاره بوائقه , وإذا نفى عنه اسم الإيمان فهو كافر من جهة العمل، وانتفى عنه كفر الجحود والاعتقاد.
وكذلك قوله (لا ترجعوا بعدي كفاراً يضرب بعضكم رقاب بعض) فهذا كفر عمل. وكذلك قوله (من أتى كاهناً فصدقه بما يقول أو أتى امرأته في دبرها فقد برئ مما أنزل على محمد) وقوله (إذا قال الرجل لأخيه: يا كافر فقد باء بها أحدهما) وقد سمى الله سبحانه وتعالى من عمل ببعض كتابه، وترك العمل ببعضه مؤمناً بما عمل به وكافراً بما ترك العمل به فقال تعالى:
) وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ لاَ تَسْفِكُونَ دِمَاءكُمْ وَلاَ تُخْرِجُونَ أَنفُسَكُم مِّن دِيَارِكُمْ ثُمَّ أَقْرَرْتُمْ وَأَنتُمْ تَشْهَدُونَ {84} ثُمَّ أَنتُمْ هَؤُلاء تَقْتُلُونَ أَنفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقاً مِّنكُم مِّن دِيَارِهِمْ تَظَاهَرُونَ عَلَيْهِم بِالإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَإِن يَأتُوكُمْ أُسَارَى تُفَادُوهُمْ وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْرَاجُهُمْ أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ الْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ فَمَا جَزَاء مَن يَفْعَلُ ذَلِكَ مِنكُمْ إِلاَّ خِزْيٌ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَى أَشَدِّ الْعَذَابِ وَمَا اللهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ (فأخبر سبحانه أنهم أقروا بميثاقه الذي أمرهم به والتزموه، وهذا يدل على تصديقهم به أنهم لا يقتل بعضهم بعضاً، ولا يخرج بعضهم بعضاً من ديارهم، ثم أخبر أنهم عصوا أمره وقتل فريق منهم فريقاً وأخرجوهم من ديارهم , فهذا كفرهم بما أخذ عليهم في الكتاب. ثم أخبر أنهم يفدون من أسر من ذلك الفريق، وهذا إيمان منهم بما أخذ عليهم في الكتاب، فكانوا مؤمنين بما عملوا به من الميثاق، كافرين بما تركوه منه.
فالإيمان العملي، والإيمان الاعتقادي يضاده الكفر الاعتقادي , وقد أعلن النبي صلى الله عليه وسلم بما قلناه في الحديث الصحيح (سباب المسلم فسوق وقتاله كفر) ففرق بين قتاله وسبابه , وجعل أحدهما فسوقاً لا يكفر به، والآخر كفراً. ومعلوم إنما أراد الكفر العملي لا الاعتقادي، وهذا الكفر لا يخرجه من الدائرة الإسلامية والملة بالكلية، كما لا يخرج الزاني والسارق والشارب من الملة وإن زال عنه اسم