وأمّا الحبّ المباح فهو الحب الطبيعي، وهو الخارج عمَا سبق. كحبّ الوالد لولده الكافر، أو الوَلَدِ لوالديه الكافرين، أو الرجل لزوجه الكتابيّة، أو المرْءِ لمن أحسنَ إليه وأعانه من الكفار. فهذا الحُبّ مباح، ما دام لم يؤثر في بُغْضه لكفر الكافرين، وفسق الفاسقين، ومعصية العاصين. أمّا إذا أثّر في بُغْضه، فإنه يعود إلى أحد القسمين السابقين، بما فيهما من تفصيل.
والدليل على أن الحُبّ الطبيعي للكافر قد لا يؤثّر في كمال الإيمان، لكونه مباحاً، بالشرط الآنف ذكره: قولُه تعالى عن نبيّه صلى الله عليه وسلم في وصف حاله مع عمِّه أبي طالب الذي مات على الكفر: {إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} [القصص: 56] (?) . فأثبت اللهُ تعالى على نبيّه صلى الله عليه وسلم محبَّةَ عمّه الكافر، ولم يَعْتَبْ عليه هذه المحبّة، ولا لامَهُ عليها؛ فدلّ ذلك على عدم مخالفتها لكمال الإيمان، وأنَّى تخالفه وقد وقعت من أكمل الناس إيماناً صلى الله عليه وسلم؟!
المبحث الخامس مظاهر الغُلُوِّ في (الولاء والبراء) وبراءتُه منها الغُلُوّ في (الولاء والبراء) ، له وجهان: غُلُوّ إفراطٍ، وغُلُوّ تفريط.
أو قُلْ: غُلُوٌّ، وجفاء.
أمّا مظاهر غلوّ الإفراط، فترجع إلى مظهرين بارزين: المظهر الأول: التكفيرُ بالأعمال الظاهرة التي تخالف موجبات (الولاء والبراء) ، بسبب عدم فهم مناط التكفير في (الولاء والبراء) .