ولكن يا ترى ما موقف الفقهاء من قبول شهادة المقذوف بعد إقامة الحد عليه وظهور توبته؟
فى الحقيقة اختلف الفقهاء فى ذلك وسبب الخلاف يرجع إلى أن فى الآية ثلاث جمل متعاقبة أعقبها استثناء وقد اتفق العلماء على أن الاستثناء لا يرجع إلى الجملة الأولى:
فَاجْلِدُوهُمْ ثَمانِينَ جَلْدَةً لأن حد القذف لا يسقط بالتوبة ولكن منهم من قال أن الاستثناء يرجع إلى الجملتين المتبقيتين وهما الخاصتان بقبول الشهادة ورفع الفسق وأما الفريق الثانى فقال بأن الاستثناء لا يعود إلا إلى الجملة الأخيرة الخاصة برفع الفسق أما قبول الشهادة فلا وقد استدلوا بوقف فى الآية كان له أكبر الأثر فى التمسك بمذهبهم وإليك بيان رأى كل فريق وأدلته.
قال الحنفية والثورى والحسن بن صالح: لا تقبل شهادته إذا تاب وتقبل شهادة المحدود من غير القذف إذا تاب «1».
وقد استدل هؤلاء بأدلة من الكتاب والسنة والمعقول منها:
1 - قوله تعالى: وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَناتِ ... فقالوا بأن هذه الآية وقف على قوله تعالى: وَلا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهادَةً أَبَداً واستئناف بقوله: وَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ (4) إِلَّا الَّذِينَ تابُوا فالاستثناء يعود على الجملة الأخيرة وهى نفى الفسق.
يقول الجصاص: (الواو) قد تكون للجمع على ما ذكرت وقد تكون للاستئناف وهى فى قوله: وَأُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ للاستئناف لأنها إنما تكون للجمع فيما لا يختلف معناه وينتظمه لهذه الأوامر وأما آية القذف فإن ابتدائها أمر وآخرها خبر، ولا يجوز أن ينتظمها جملة واحدة، فلذلك كانت (الواو) للاستئناف إذ غير جائز دخول معنى الخبر فى لفظ الأمر «2».