ولقد لخص الغزالي هذا الدليل وذكر اعتراضاً أورد القاضي على ما استدل به من استرسال الصحابة في إعطاء كل حادثة حكماً الخ، وأجاب عنه بما نصه: قال: "لعلهم كانوا يعتمدون معاني يعلمون أن أصول الشريعة تشهد لها، وإن كان لا يعينونها، كالفقيه يتمسك في شأن المثقل بقاعدة الزجر، فلا يحتاج إلى تعيين أصل".

ثم قال جواباً عنه: "والذي نختاره أن هذا في مظنة الاحتمال، والاحتكام عليهم بعد تمادي الزمان لا معنى له"1.

الدليل الخامس: "أن معاذ بن جبل2 - رضي الله عنه - قال: "اجتهد رأيي حيث قال له رسول الله صلى الله عليه وسلم "فإن عدمت النص" 3 فأثنى عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإعدام نص يشعر بإعوازه، وإعوازه المفهوم عنه واجتهاد الرأي مشعر باتباع قضية النظر في المصلحة، ولم يكلفه الشارع ملاحظة النصوص معه"4.

فدل هذا على أن النبي صلى الله عليه وسلم أقر معاذاً على الاجتهاد وأثنى عليه، والاجتهاد الذي أقره عليه وأثنى عليه بسببه أعم من أن يكون قياس نظير، فهو كما يكون كذلك، يكون بتطبيق مقاصد الشريعة واعتبار كل ما دلت النصوص على اعتباره في الجملة، وهذا هو الاستدلال المرسل، ويدل لهذا قول الغزالي واجتهاد الرأي مشعر باتباع قضية النظر في المصلحة، ولم يكلفه الشارع ملاحظة النصوص".

طور بواسطة نورين ميديا © 2015