الاقتصاد في الأعمال، والاعتصام بالسنَّة، فإنَّ الشّيطان يشمّ قلب العبد ويختبره، فإن رأى فيه داعية للبدعة، وإعراضًا عن كمال الانقياد للسنَّة، أخرجه عن الاعتصام بها، وإن رأى فيه حرصًا على السنَّة، وشدَّة طلب لها: لم يظفر به من باب اقتطاعه عنها، فأمره بالاجتهاد، والجور على النّفس، ومجاوزة حدّ الاقتصاد فيها، قائلا له: إن هذا خير وطاعة، والزّيادة والاجتهاد فيها أكمل، فلا تفتر مع أهل الفتور، ولا تنم مع أهل النّوم، فلا يزال يحثّه ويحرّضه، حتَّى يخرجه عن الاقتصاد فيها، فيخرج عن حدّها، كما أن الأوّل خارج عن هذا الحدّ، فكذا هذا الآخر خارج عن الحدّ الآخر (?) .

وهذا حال الخوارج الذين يحقر أهل الاستقامة صلاتهم مع صلاتهم، وصيامهم مع صيامهم، وقراءتهم مع قراءتهم، وكلا الأمرين خروج عن السنَّة إلى البدعة، لكن هذا إلى بدعة التَّفريط والإضاعة، والآخر إلى بدعة المجاوزة والإسراف.

وقال بعض السَّلف: ما أمر الله بأمر إلا وللشّيطان فيه نزغتان: إما إلى تفريط، وإمّا إلى مجاوزة، وهي الإفراط، ولا يبالي بأيّهما ظفر، زيادة أو نقصان (?) .

وهذا الكلام عن الاستقامة هو عين الوسطيَّة وجوهرها.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015