فإن قيل: هذا الخليفة الثاني أمير المؤمنين عمر الفاروق ومثله خليق بإقامة العدل في رعيته!
فإليك صورة أخرى بطلها ليس بخليفة ولا أمير، ولكنه رجل من عامة أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- هو الصحابي الجليل عبد الله بن رواحة (?)، يكل إليه النبي -صلى الله عليه وسلم- خرص مزارع خيبر التي تركها -صلى الله عليه وسلم- بيد اليهود، فيحاول اليهود رشوته ليخفف عليهم في الخرص، فيشتد غضبه -رضي الله عنه- أن ساوموه على أمانته وعدالته ويقول مخاطبًا إخوان القردة والخنازير: (يا معشر اليهود: أنتم أبغض الخلق إلي، قتلتم أنبياء الله -عز وجل-، وكذبتم على الله، وليس يحملني بغضي إياكم على أن أحيف عليكم وقد خرصت عشرين ألف وسق من تمر، فإن شئتم وإن أبيتم فلي، فقالوا: بهذا قامت السماوات والأرض قد أخذنا فاخرج عنا) (?).
وأقر اليهود بعدم ظلمه واعترفوا بعدله وإنصافه، فإن قيل هذا صحابي جليل تربى على يد الرسول -صلى الله عليه وسلم- فليس ببدع أن يعدل ويحكم بالقسط إذا وكل إليه الحكم في أمر من الأمور.
قلنا: لندع جيل الصحابة رضوان الله عليهم، فإنهم جيل فريد الأصل فيهم الخير والعدالة، ولنتجاوزهم إلى غيرهم ممن جاء بعدهم: فهذا شريح القاضي (?) -رحمه الله-: يتحاكم إليه أمير المؤمنين وخليفة المسلمين ورجل ذمي فيحكم شريح يرحمه الله للذمي على أمير المؤمنين، فقد أخرج البيهقي (?) بسنده عن الشعبي (?)