بهذا الرسول الكريم، وهذا القرآن العظيم، شرفت هذه الأمة، وبمتابعتهم والاهتداء بهديهما كانت خير الأمم وأوسطها وأعدلها.
وكان أسعد هذه الأمة باتباعهما وأحرصهم على هديهما قولا وعملا واعتقادا أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ثم تابعوهم، ثم التابعون لهم بإحسان من القرون الثلاثة المفضلة التي شهد لها النبي -صلى الله عليه وسلم- بالخيرة في قوله:
" خير أمتي قرني ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم".
فهؤلاء هم خيار الأمة ثم يلحق بهم كل من كان على مثل ما كانوا عليه من الهدى والتمسك بكتاب الله وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم- في كل زمان ومكان فهؤلاء جميعا خيار هذه الأمة وأوسطها وأعدلها.
فإنه بعد انتقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- إلى جوار ربه، ومضي عصر الخلافة الراشدة بدأ في عهد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- ظهور التفرق والاختلاف، فخرجت الخوارج ببدعها، وظهرت الشيعة بغلوها وفتنها، ثم توالي ظهور البدع وتكونت الفرق، وتوارثت الأجيال كثيرا من الانحرافات العقدية والسلوكية وغيرها، وابتعدت عن منهج الاعتدال والتوسط الذي رسمه القرآن الكريم ومارسه في الحياة سيد المرسلين فإن المتدبر في الواقع الذي تعيشه الأمة اليوم يري فرقا شاسعا في أهدافها واختلافا في منطلقاتها وغاياتها وفي مشاربها، يرى الإفراط والتفريط والغلو والجفاء والإسراف والتقتير في عموم الأمة، فإذا انتقلنا إلى حال الدعاة والمصلحين الذين أقض مضاجعهم هذا الواقع المؤلم لأمتهم، فشرعوا في البحث عن طرق العلاج ومعرفة أسباب النجاة والتمسك بها لإخراج البشرية من الظلمات إلى النور، ومن الضلالة إلى الهدى، نجد تأثير واقع الأمة على وضعهم، فمنهم المشرق، ومنهم المغرب، ترى المفرط والمفرط، نرى بين هؤلاء الدعاة والمصلحين من غلا وأفرط في الغلو، وعادت أفكار الخوارج القديمة، وهناك من فرط وجفا، وأضاع معالم الدين وأصول العقيدة، حرصًا على جمع الناس دون