ثم حين أعطته مناهج الجاهلية بدائلها المظلمة تلاشت روابط الطبع، وسلامة الفطرة فلم يعد يؤمن في ظلال الجاهلية بالخالق الأعلى، ولا الجزاء الأخروي، ولا مسؤوليته التكليفية السامية .. إلى آخره.

بذلك ضعفت ونقصت بواعث الخير والفضائل في نفس الإنسان، وانطلقت كل قوى الشر لا تلوى على شيء تثير الغرائز، وتفجر الشهوات الجامحة، وتكتسح كل عائق في طريقها، وتجعلها خادما لها، ليحقق للشهوات أقصى غايتها بأقل قدر من التصادم بين الرغبات المتلاطمة، التي لا تمل في طلب المزيد والتجديد، حتى تصبح الحياة الإنسانية صورة مشينة موغلة في بهيمة شهوانية، تنخرط بالإنسان في سلك القردة والخنازير؛ بل من المؤكد من الحيوانات من يترفع بفطرته عن مسالك كثير من المجتمعات في ظل الجاهليات النكداء، التي تطبعها بخصائصها.

وقد أجاد الأستاذ أبو الأعلى المودودي (?) -رحمه الله- في وصفها فقال: (إن المجتمع الذي يتكون من هؤلاء يكون من خصائصه اللازمة.

1 - أن ينهض بنيان السياسة على قواعد (الحاكمية البشرية) سواء كانت حاكمية فرد أو أسرة أو طبقة، أو حاكمية الجمهور .. والوقانين كلها توضع وتغير حسب الرغبات والمصالح، وكذلك الخطط السياسية، فلا يعلو شأن في المملكة إلا لكل من بلغ الغاية في الدهاء والمكر واختلاف الأكاذيب .. إلى آخره.

2 - أن يقوم نظام العمران والحياة الاجتماعية بجملته على أساس حب الذات، وتعبد الشهوات، وتقام المقاييس الخلقية من جديد بحيث لا تحول دون التمتع باللذات.

3 - كذلك تتأثر الآداب والفنون بهذه العقلية، وتصطبغ بصبغتها وتزداد فيها عناصر الفحشاء والخلاعة كل يوم) (?).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015