ونجد أيضًا أن عددًا من الآيات التي وصفت الله بالحلم قد قرن فيها ذكر الحلم بالعلم، كقوله تعالى: (وَإِنَّ اللهَ لَعَلِيمٌ حَلِيمٌ) [الحج: 59]، وهذا يفيد -والله أعلم بمراده- أن كمال الحلم يكون مع كمال العلم، وهذا من أعظم أركان الحكمة (?) التي هي من أهم ملامح الوسطية.

ومما يؤكد أن الحلم من أعظم أركان الحكمة -التي ينبغي للداعية أن يدعو بها إلى الله -مدح النبي -صلى الله عليه وسلم- للحلم وتعظيمه لأمره وأنه من الخصال التي يحبها الله، قوله للأشج (?): "إن فيك خصلتين يحبهما الله: الحلم والأناة" (?).

وفي رواية الأشج: يا رسول الله، أنا تخلقت بهما أم الله جبلني عليهما؟ قال: "بل الله جبلك عليهما" قال: الحمد لله الذي جبلني على خلقين يحبهما الله ورسوله (?).

وسبب قول النبي -صلى الله عليه وسلم- ذلك للأشج ما جاء في حديث الوفد أنهم لما وصلوا المدينة بادروا إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- وأقام الأشج عند رحالهم فجمعها وعقل ناقته، ولبس أحسن ثيابه، ثم أقبل إلى النبي -صلى الله عليه وسلم- فقربه النبي -صلى الله عليه وسلم- وأجلسه إلى جانبه، ثم قال لهم النبي -صلى الله عليه وسلم-: "تبايعون على أنفسكم وقومكم؟ فقال القوم: نعم، فقال الأشج: يا رسول الله، إنك لم تزاول الرجل على شيء أشد عليه من دينه، نبايعك على أنفسنا، ونرسل من يدعوهم، فمن اتبعنا كان منا، ومن أبي قاتلناه، قال: "صدقت، إن فيك خصلتين .. " (?).

فالأناة: تربصه حتى نظر في مصالحه، ولم يعجل، والحلم: هذا القول الذي قاله، الدال على صحة عقله، وجودة نظره للعواقب ... (?)، ومما يؤكد أن الحلم من

طور بواسطة نورين ميديا © 2015