من قومه العرب الأميين، ومن أهل الكتاب حتى إنه لم يجعل له أدنى عناية بما يتفاخر به قومه من فصاحة اللسان، وبلاغة البيان، من شعر وخطابة، ومفاخرة ومنافرة (?)، إذ كانوا يؤمون أسواق موسم الحج وأشهرها عكاظ (?) من جميع النواحى لإظهار بلاغتهم وبراعتهم، فكان ذلك أعظم الأسباب لارتقاء لغتهم، واتساع معارفهم، وكثرة الحكمة فى شعرهم، فكان من الغريب أن يزهد محمد صلّى الله عليه وسلم فى مشاركتهم فيه بنفسه وفى روايته لما عساه يسمعه منه، وقد سمع بعد النبوة زهاء مائة قافية من شعر أمية بن الصلت فقال: «إن كاد ليسلم» وقال: «آمن شعره وكفر قلبه»، وقال: «إنّ من البيان لسحرا وإن من الشعر حكما». رواه أحمد وأبو داود من حديث ابن عباس، وأما قوله «إن من البيان لسحرا» فقد رواه مالك وأحمد والبخارى وأبو داود والترمذى من حديث ابن عمر قلنا: إن الله تعالى جعل استعداد محمّد صلّى الله عليه وسلم للنبوة والرسالة فطريا وإلهاميا لم يكن فيه شىء من كسبه بعلم ولا عمل لسانى ولا نفسى، وأنه لم يرو عنه أنه كان يرجوها .. كما روى عن أمية ابن أبى الصلت. بل أخبر الله عنه أنه لم يكن يرجوها كما تقدّم ولكن روى عن خديجة رضى الله عنها أنها لما سمعت من غلامها ميسرة أخبار أمانته وفضائله وكراماته، وما قاله بحيرا الراهب فيه. تعلّق أملها بأن يكون هو النبى الذى يتحدّثون عنه، ولكن هذه الروايات لا يصل شىء منها إلى درجة المسند الصحيح كحديث بدء الوحى الذى أوردناه آنفا، فإن قيل: إنه يقويها حلفها بالله أنّ الله تعالى لا يخزيه أبدا. قلنا: إنها عللت ذلك بما ذكرته من فضائله ورأت أنها فى حادة إلى استفتاء ابن عمها ورقة فى شأنه.
وأما اختلاؤه صلّى الله عليه وسلم وتعبده فى الغار عام الوحى فلا شك فى أنه كان عملا كسبيا مقويا لذلك الاستعداد السلبى من العزلة وعدم مشاركة المشركين فى شىء من عباداتهم ولا عاداتهم. ولكنه لم يكن يقصد به الاستعداد للنبوّة. لأنه لو كان لأجلها لاعتقد حين رأى