كالنساء والأطفال والشيوخ، وبصرفها معظم ثروات شعوبها فى هذه السبل، وفى سبيل ظلمهم للشعوب الضعيفة التى ابتليت بسلطانها، وسلبها لثروتهم وحريتهم فى دينهم ودنياهم. فالعالم البشرىّ كلّه فى شقاء من سياسة هذه الدول الباغية الخبيثة الطويّة. وكل ما عقد من المؤتمرات لدرء أخطارها لم يزد نارها إلا استعارا، ولو حسنت نياتها وأنفقت هذه الملايين التى تسلبها من مكاسب شعوبها وغيرهم فى سبيل الإصلاح الإنسانى العام لبلغ البشر بها أعلى درجات الثراء والرخاء.
كل ما ذكر معلوم باليقين، فهو حق واقع ما له من دافع.
وإن من المعلوم من استقراء تاريخ هذه الحضارة المادية أن هذه الشرور كانت لازمة لها، ونمت بنمائها، فكان هذا برهانا على أنّ الفنون والعلوم البشرية المحضة غير كافية لجعل البشر سعداء فى حياتهم الدنيا، فضلا عن سعادتهم فى الحياة الآخرة، وإنما تتم السعادة لهم بهداية الدين، فالإنسان مدنّى الطبع، ومتديّن بالطبع، أو بالفطرة كما يقول الإسلام.
من أجل ذلك فكّر بعض عقلاء أوروبا وغيرهم فى اللجوء إلى هداية الدين وأنه هو العلاج لأدواء هذه الحضارة المادية والترياق لسمومها، وتمنوا لو يبعث فى الغرب أو فى الشرق نبىّ جديد بدين جديد يصلح الله بهدايته فسادها، لأنّ الأديان المعروفة لهم لا تصلح لهذا العصر وقد فسر حال جميع أهلها (?)، وكان من يسمون دينهم دين المحبة، مصداقا لقول الله تعالى: فَأَغْرَيْنا بَيْنَهُمُ الْعَداوَةَ وَالْبَغْضاءَ إِلى يَوْمِ الْقِيامَةِ [المائدة: 14].
بيد أنّ هؤلاء المفكرين لا يعرفون حقيقة دين القرآن، وهو الدين الإلهى العام، والمانع لهم من معرفته ثلاثة حجب تحول دون النظر الصحيح فيه، وعدم فهمهم للقرآن كما يجب أن يفهم، فأما الحجب دونه فهذا بيانها بالإيجاز.
(الحجاب الأول): الكنيسة؛ أو الكنائس التى عادته منذ بلغتها دعوته، وطفقت تصوره بصور مشوهة باطلة، بدعاية عامة فيها من افتراء الكذب وأقوال الزور والبهتان ما لم يعهد مثله فى أهل ملة من البشر فى زمن من الأزمان، وألفت فى ذلك من الكتب والرسائل، والأغانى والأناشيد والقصائد، ما يعرف بطلانه كل مؤرخ مطلع على الحقائق، ثم إنها جعلت تشويهه ووجوب معاداته ركنا من أركان التربية والتعليم فى جميع مدارسها والمدارس