كانت النّساء قبل الإسلام مظلومات ممتهنات مستعبدات عند جميع الأمم وفى جميع شرائعها وقوانينها حتى عند أهل الكتاب، إلى أن جاء الإسلام، وأكمل الله دينه ببعثه خاتم النبيين محمد عليه أفضل الصلاة وأزكى السلام، فأعطى الله النّساء بكتابه الذى أنزله عليه، وبسنته التى بين بها كتاب الله تعالى بالقول والعمل، جميع الحقوق التى أعطاها للرجال إلا ما يقتضيه اختلاف طبيعة المرأة ووظائفها النسوية من الأحكام، ومع مراعاة تكريمها والرحمة بها والعطف عليها، حتى كان النبى صلّى الله عليه وسلّم يقول: «ما أكرم النساء إلا كريم، ولا أهانهن إلا لئيم». رواه ابن عساكر من حديث علىّ كرّم الله وجهه.
كان كبار العقول من الصحابة رضى الله عنهم يرون ما أصلحه الإسلام من فساد وظلم ورذيلة فى الأمة العربية فيكبرونه إكبارا ويعدونه من دلائل نبوة محمد صلّى الله عليه وسلّم إذ لم يكن يمتاز عليهم قبل النبوة بشيء من العلم لا البلاغة، بل بالأخلاق وسلامة الفطرة فقط، ولذلك كان عمر بن الخطاب المصلح الكبير، والمنفذ الأعظم لسياسة الإسلام وهدى محمد صلّى الله عليه وسلّم من بعده فى الفتوح والعدل وإدارة شئون الشعوب يقول:
«إنما تنقض عرى الإسلام عروة عروة إذا نشأ فى الإسلام من لم يعرف الجاهلية»، ولو كان رضى الله عنه واقفا على تواريخ الأمم والشعوب لعلم أن ما جاء به الإسلام إنما هو إصلاح لشئون البشر كافة، وثنيهم وكتابيهم، همجيهم وحضريهم، لا فى شىء واحد بل فى كل شىء، وإننى أشير هنا إلى أهم أصول الإصلاح النسوى التى بسطتها فى كتاب وسيط فى حقوق النساء فى الإسلام سميته (نداء للجنس اللطيف)؛ بينت فى مقدمته حالهن قبل البعثة المحمدية عند أمم الأرض إجمالا بقولى:
«كانت المرأة تشترى وتباع، كالبهيمة والمتاع، وكانت تكره على الزواج وعلى البغاء وكانت تورث، ولا ترث، وكانت تملك ولا تملك، وكان أكثر الذين يملكونها يحجرون عليها التصرف فيما تملكه بدون إذن الرجل، وكانوا يرون للزوج الحق فى التصرف بمالها من دونها، وقد اختلف الرجال فى بعض البلاد فى كونها إنسانا ذا نفس وروح خالدة كالرجل أم لا؟ وفى كونها تلقن الدين وتصح منها العبادة أم لا؟ وفى كونها تدخل الجنة أو الملكوت فى الآخرة أم لا؟ فقرر أحد المجامع فى رومية أنها حيوان نجس لا روح له ولا خلود،