قال الله تعالى فى سورة العلق: كَلَّا إِنَّ الْإِنْسانَ لَيَطْغى (6) أَنْ رَآهُ اسْتَغْنى [العلق: 6، 7]، أى حقّا إن الإنسان ليتجاوز حدود الحق والعدل والفضيلة برؤية نفسه غنيا بالمال، مستغنيا بعينه وكنزه أو قصره على شهواته عما فى إنفاقه من نفع الناس ومرضاة الله تعالى وثوابه فى الآخرة، وقد نزلت هذه وما بعدها فى أبى جهل أشد أعداء النبى صلّى الله عليه وسلّم والإسلام من أول ظهوره وهى ما أول ما نزل فى ذلك. ومثلها فى سورة المسد: تَبَّتْ يَدا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ (?) ما أَغْنى عَنْهُ مالُهُ وَما كَسَبَ [المسد: 1، 2] إلخ «1».
ومثلها فى [سورة الهمزة، الآيات: 1 - 3] وَيْلٌ لِكُلِّ هُمَزَةٍ لُمَزَةٍ (?) الَّذِي جَمَعَ مالًا وَعَدَّدَهُ (2) يَحْسَبُ أَنَّ مالَهُ أَخْلَدَهُ، نزلت فى الوليد وأمية بن خلف، وكذا قوله تعالى:
ذَرْنِي وَمَنْ خَلَقْتُ وَحِيداً (11) وَجَعَلْتُ لَهُ مالًا مَمْدُوداً (12) وَبَنِينَ شُهُوداً (13) وَمَهَّدْتُ لَهُ تَمْهِيداً (14) ثُمَّ يَطْمَعُ أَنْ أَزِيدَ (15) كَلَّا إِنَّهُ كانَ لِآياتِنا عَنِيداً (16) سَأُرْهِقُهُ صَعُوداً [المدثر: 11 - 17]، وقد نزلت فى الوليد بن المغيرة، وكذا آيات سورة القلم من قوله: وَلا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ إلى قوله: أَنْ كانَ ذا مالٍ وَبَنِينَ (14) إِذا تُتْلى عَلَيْهِ آياتُنا قالَ أَساطِيرُ الْأَوَّلِينَ [الآيات: 10 - 15]، وكان هؤلاء أغنى زعماء قريش الذين عادوا النبى صلّى الله عليه وسلّم واستكبروا عن أتباعه بغناهم من أول عهده بتبليغ الدعوة، ثم قال الله تعالى فيهم إذ كان يجمع المال منهم أبو سفيان لقتال يوم بدر: إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ لِيَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ فَسَيُنْفِقُونَها ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ [الأنفال: 36] وكذلك كان، وفيهم وفى أمثالهم من مترفى أقوام الأنبياء نزل قوله تعالى: وَقالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوالًا وَأَوْلاداً وَما نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ [سبأ: 35].