فسادها، وظلمات ظلمها وجهلها، وهو ما سرى إلى أهل الكتاب من المشركين، إلا أن بعض النصارى خصّوه بالمسيح وبعضهم جعلوه عاما لجميع القديسين.
(السادسة) مخاطبة جميع الناس (فى الآية 170) بأن هذا الرسول محمدا صلّى الله عليه وسلّم قد جاءهم بالحق من ربهم حقّا محضا غير مشوب بالآراء والأهواء البشرية، ولا بالتقاليد الكهنوتية «1» التى زادها رؤساء الأديان على ما جاءهم به الرسل الأولون فلم يعد يعرف أحد ما هو من الله تعالى وما هو منهم، فإن يؤمنوا بما جاءهم به هذا الرسول يكن خيرا لهم، وإن يكفروا فالله غنى عنهم.
(السابعة) نداؤه أهل الكتاب (فى الآية 171) بالنهى عن الغلو فى الدين، وعن قول غير الحق على الله تعالى، وبيانه لهم حقيقة المسيح الذى غالى اليهود منهم فى الكفر به وتكذيبه، والطعن فى صيانة أمه الطاهرة، وغالى النصارى فيه فجعلوه ربا وإلها، وأنه قد جاءهم بالحق فيه، وهو أنه بشر روحانى خلق بكلمة الله التكوينية وهى إِنَّما أَمْرُهُ إِذا أَرادَ شَيْئاً أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ [يس: 82]، وبنفخ روح القدس فى أمه الطاهرة، وبتأييد هذا الروح له فى سائر أحوال نبوته، وأن روحه عليه السلام قدّيسه من الله تعالى لا حظّ للشيطان فيها، والنصارى يقررون أن الأرواح قسمان: طاهرة قديسة، ونجسة شيطانية، والتمييز بينهما مزية تحدث بها زعيمهم بولس فى رسالته الأولى إلى أهل كورنثيوس.
(الثامنة) أمره تعالى أهل الكتاب بعد ما ذكر من حقيقة أمر المسيح أن يؤمنوا بما جاء به خاتم النبيين من الإيمان الصحيح بالله، وتوحيده والإيمان برسله، ونهيهم عن التثليث الوثنى الهندى، وعن اتخاذ الولد لله عزّ وجلّ، وع لله بأنه المالك لكلّ ما فى السموات والأرض، أى كل العالم، ولو كان له ولد لكان ولده مثله لا ملكه، ولكان محتاجا كاحتياج الإنسان إلى ولده سبحانه هو الغنى عن كل ما سواه كما هو مبين فى الآيات الكثيرة الواردة فى هذا المعنى «2».
(التاسعة) إنباؤهم فى الآية (172) بأنّ المسيح لن يستنكف، أى لن يأبى أنفة واستكبارا عن أن يكون عبدا لله، ولا الملائكة المقربون- وهم أفضل الملائكة وأعلاهم منزلة عنده تعالى- أن يكونوا عبيدا له، فإنه ما تم فى الوجود إلا رب واحد كل من عداه عبيد له،