الوحي المحمدي (صفحة 167)

إلى الهدى، وعن الباطل إلى الحق، ويقابله الزّيغ وهو الميل عن الحق إلى الباطل إلخ، وفطرة الله التى فطر النّاس عليها هى الجبلة الإنسانية (?) الجامعة بين الحياتين: الجسمانية الحيوانية، والروحانية الملكية، والاستعداد لمعرفة عالم الشهادة وعالم الغيب فيهما، وما أودع فيها (أى الجبلة) من غريزة الدين المطلق الذى هو الشعور الوجدانى بسلطان غيبى فوق قوى الكون والسّنن والأسباب التى قام بهما نظام كل شىء فى العالم، فرب هذا السلطان هو فاطر السموات والأرض وما فيهما، والمصدر الذاتى للنفع والضر المحركين لشعور التعبد الفطرى وطلب العرفان الغيبى المودعين فى الغريزة.

فالعبادة الفطريّة هى التوجه الوجدانى إلى هذا الربّ الغيبى فى كل ما يعجز الإنسان عنه من نفع يحتاج إليه ويعجز عنه بكسبه، ودفع ضر يمسه أو يخافه ويرى أنه يعجز عن دفعه بحوله وقوته، وفى كل ما تشعر فطرته باستعدادها لمعرفته، والوصول إليه مما لا نهاية له، وأعنى بالإنسان جنسه فما يعجز عنه المرء بنفسه دون أبناء جنسه فإنه يعده من مقدوره، ويعد مساعدة غيره له عليه من جنس كسبه، فطلبه للمساعدة من أمثاله ليس فيها معنى التعبد عند أحد من البشر؛ فتعظيم الفقير للغنى بوسائل استجدائه وخضوع الضعيف للقوى لاستنجاده واستعدائه على أعدائه وخنوع السوقة (?) للملك أو الأمير لخوف منه أو رجائه- لا يسمى شيئا من ذلك عبادة فى عرف أمة من الأمم ولا ملة من الملل، وإنما روح العبادة الفطرية ومخّها هو دعاء ذى السلطان العلوى والقدرة الغيبية التى هى فوق ما يعرفه الإنسان ويعقله فى عالم الأسباب، ولا سيما الدعاء عند العجز وفى الشدائد، قال صلّى الله عليه وسلّم: «الدّعاء هو العبادة (?)»، هكذا بصيغة الحصر، أى هو الركن المعنوى الأعظم فيها لأنه روحها المفسر برواية: «الدّعاء مخّ العبادة (?)»، وكلّ تعظيم وتقرب قولى أو عملى لصاحب هذه القدرة والسلطان الغيبى فهو عبادة له (?).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015