الوحي المحمدي (صفحة 124)

ويناسب هذا ما جاء فى القرآن من نبأ خراب العالم وقيام الساعة التى هى بدء ما يجب الإيمان به من عقيدة البعث والجزاء، ولم يوجد له أصل عند أهل الكتاب ولا غيرهم، ولا هو مما يمكن أن يكون قد عرفه محمد صلّى الله عليه وسلّم بذكائه ونظرياته العقلية، وجملته أن قارعة- والظاهر أنها كوكب- تقرع الأرض قرعا، وتصخّها صخا، وترجّها رجا، فتكون هباء منبثا، أى غبارا دقيقا متفرقا فى الفضاء، وحينئذ يختل ما يسمّى فى عرف العلماء بسنة الجاذبية العامة، فتتناثر الكواكب ثم يدخل العلم فى طور جديد هو المراد بالحياة الآخرة (?)، وهذا المعنى لم يكن يخطر ببال أحد من علماء الكون ولا من الدين، فلا يمكن أن يقال أن محمدا صلّى الله عليه وسلّم سمعه من أحد فى بلده أو فى سفره، ولا يعقل أن يكون قاله برأيه وفكره، فهو من أنباء القرآن الكثيرة التى تدحض زعم القائلين بالوحى النفسى. وقد صرّح غير واحد من علماء الهيئة الفلكية المعاصرين بأن خراب العالم بهذا السبب هو أقرب النظريات العلمية لخرابه. وسنفصل ذلك بالشواهد على ما جاء فى القرآن موافقا لأصول العلم الحديث فى ملحقات الكتاب، من الجزء الثانى له.

ولقد كان أعظم آيات الجزاء تأثيرا فى أنفس العرب وصف نعيم الجنة وعذاب النار ببلاغته العجيبة فى المبالغة التى امتازت بها لغتهم، وفيها ما يدل على أنها غيبية مخالفة للمعهود فى الدنيا كقوله تعالى فى صفة النار: الَّتِي تَطَّلِعُ عَلَى الْأَفْئِدَةِ [الهمزة: 7]، وفى الجنة: فَلا تَعْلَمُ نَفْسٌ ما أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ [السجدة: 17]، وقوله بعد ذكر النعيم الحسى: وَرِضْوانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ [التوبة: 72]، وناهيك بمناجاته تعالى ورؤيته التى أنكرها وتأول نصوصها المعتزلة ومن تبعهم وعدوها من المتشابهات ولا غرو، فكل أمور الآخرة متشابهات، قال تعالى فى ثمرها: وَأُتُوا بِهِ مُتَشابِهاً [البقرة: 25]، قال ابن عباس رضى الله عنه فى تفسيرها: (لا يشبه شىء مما فى الجنة ما فى الدنيا إلا فى الأسماء).

(أقول): فكيف يشبه خالقها شيئا من خلقه؟.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015