الوحي المحمدي (صفحة 101)

بالبهائم والطير والحشرات، وطالما أوصى بها ولا سيما صغارها وأمهاتها، وجاءه مرة رجل وعليه كساء فى يده شىء قد التف عليه فقال: يا رسول الله إنّنى لما رأيتك أقبلت فمررت بغيضة شجرة فسمعت فيها أصوات فراخ طائر فأخذتهن فى كسائى، فجاءت أمّهنّ فاستدارت على رأسى، وكشفت لها عنهن فوقعت عليهن فلففتها معهن بكسائى، فهن أولاء معى. قال: «ضعهن». قال: ففعلت فأبت أمهن إلا لزومهن. فقال صلّى الله عليه وسلم: «أتعجبون لرحمة أم الأفراخ بفراخها؟». قالوا: نعم. قال: «والذى بعثنى بالحق الله أرحم بعباده من أم الأفراخ بفراخها، ارجع بهن حتى تضعهن حيث أخذتهن وأمهن معا». فرجع بهن. رواه أبو داود من حديث عامر الرامى رضى الله عنه وروى مالك والبخارى ومسلم وأبو داود من حديث أبى هريرة مرفوعا حديثين خلاصتهما أن الله غفر لرجل ولامرأة بغى «أى مومس» لأن كلا منهما رأى كلبا قد اشتد العطش به فرحمه وأخرج له الماء من البئر بخفه فسقاه قالوا له: يا رسول الله إن لنا فى البهائم أجرا؟ فقال: «فى كلّ كبد رطبة أجر». ورواه أحمد عن عبد الله بن عمرو

سراقة بن مالك بلفظ: «وفى كل ذات كبد حرّى أجر».

وقال صلّى الله عليه وسلم: «الراحمون يرحمهم الرحمن، ارحموا من فى الأرض يرحمكم من فى السماء». رواه الترمذى وأبو داود من حديث عبد الله بن عمر رضى الله عنه، ورويناه مسلسلا بالأولية من طريق أستاذنا الشيخ محمد أبى المحاسن القاوقجى، وقال صلّى الله عليه وسلم: «إن لله مائة رحمة أنزل منها رحمة واحدة بين الجن والإنس والبهائم والهوام، فيها يتعاطفون، وبها يتراحمون، وبها تعطف الوحوش على ولدها، وأخّر الله تسعا وتسعين رحمة يرحم بها عباده يوم القيامة» - وفى رواية-: «ولو يعلم الكافر بكلّ الذى عند الله من الرحمة لم ييأس من الجنة؛ ولو يعلم المؤمن بكلّ ما عند الله من العذاب لم يأمن من النار». رواه البخارى ومسلم والترمذى أ. هـ.

... هذا ولو كان القرآن بأسلوب الكتب العلمية والقوانين الوضعية لما كان له ذلك التأثير الذى غير ما بأنفس العرب فغيروا به أمم العجم، فكانوا كلهم كما وصفهم الله عزّ وجلّ بقوله: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَوْ آمَنَ أَهْلُ الْكِتابِ لَكانَ خَيْراً لَهُمْ مِنْهُمُ الْمُؤْمِنُونَ وَأَكْثَرُهُمُ الْفاسِقُونَ [آل عمران: 110]، ولم يكن عند العرب شىء من العلم بسياسة الأمم وإدارتها إلا هذا القرآن، والأسوة الحسنة

طور بواسطة نورين ميديا © 2015