وبيَّن ابن السمعاني رحمه اللَّه تعالى الحكمة في ذلك فقال: "ويشبه أن يكون سبب غموضها امتحانًا من اللَّه لعباده، ليتفاضل بينهم في درجات العلم ومراتب الكرامة، كما قال تعالى: {يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ} [المجادلة: 11]، {وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ} [يوسف: 76]، وعلى هذا يتأول ما ورد في بعض الأخبار "اختلاف أمتي رحمة" فعلى هذا النوع يحمل هذا اللفظ دون النوع الآخر، فيكون اللفظ عامًّا، والمراد خاص" (?).

المصوبة والمخطئة في الاجتهاد:

ترتب على قول العلماء في الاجتهاد في المسائل الفقهية الفروعية الظنية مسألة تصويب المجتهد، وتعني: هل كل مجتهد فيها مصيب أم أن المصيب فيها واحد، وما عداه مخطئ؟ وظهر في هذه المسألة آراء كثيرة، ونُقول متعددة، تنضوي تحت رأيين مشهورين، الأول: رأي المصوبة، والثاني: رأي المخطئة.

وسبب الخلاف هو اختلاف العلماء في مسألة أخرى، وهي: هل للَّه تعالى حكم واحد معين في كل مسألة، فمن وصله من المجتهدين كان مصيبًا، ومن لم يصله كان مخطئًا؟ أم أن حكم اللَّه تعالى فيما يسوغ الاجتهاد فيه من الظنيات هو ما وصل إليه كل مجتهد، وأن كل مجتهد مصيب؟ وتمخض الأمر إلى مذهبين، وهما: مذهب المصوِّبة، ومذهب المخطئة، وهذا ما نريد بيانه باختصار مع الأدلة؛ لأن المسألة نظرية، وغيبية، وشبه خيالية، ولا يترتب عليها حكم شرعي (?).

طور بواسطة نورين ميديا © 2015