ويختلف المشكل عن الخفي أن الإبهام في المشكل منشؤه من نفس اللفظ، ولا يمكن فهم معناه المراد إلا بقرينة، أما الخفي فإن الإبهام فيه من طريق خارج عن اللفظ، ويعرف المراد منه من غير قرينة، فالمشكل أشد إبهامًا من الخفي، لكن يتفق المشكل والخفي في أن كلًّا منهما يحتاج إلى بحث وتأمل.
ومن أمثلة المشْكل: اللفظ المشترك فإنه موضوع لغة -كما سبق- لأكثر من معنى واحد، فإن ورد في التشريع بدون دلالة على أحد المعاني التي وضع لها، كان ذلك مشكلًا.
مثاله: لفظ "قروء" في قوله تعالى: {وَالْمُطَلَّقَاتُ يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ ثَلَاثَةَ قُرُوءٍ} [البقرة: 228]، فإن لفظ "القرء" مشترك في اللغة بين الطهر والحيض، فوقع الإبهام والإشكال في تحديد المراد منه في الآية، لانقضاء عدة المطلقة، وهل تناقضي بثلاثة أطهار أم بثلاث حيضات؟ فاقتضى الأمر البحث عن قرينة خارجية تعيّن الحكم، أو عن دليل يرجح أحد المعنيين؛ لأن النتيجة تختلف جزئيًّا باعتبار الطهر أو الحيض.
وبعد البحث والتأمل في القرائن والأدلة الأخرى رجح المالكية والشافعية أن يكون القرء طهرًا بقرينة تأنيث العدد، وهو ثلاثة، فيكون المعدود مذكرًا، وهو الطهر، ولأن تفسير القرء بالطهر أقرب إلى الاشتقاق؛ لأن معناه الجمع، وفي الطهر يتجمع الدم في الرحم، أما في الحيض فيلقى الدم من الرحم، ولأن اعتبار الأطهار يجعل العدة على المرأة أقل مدة، فهو أخف، وهو يتفق مع مقاصد الشريعة.
ورجح الحنفية والحنابلة أن القرء هو الحيض، لحديث: "عِدَّةُ الأمةِ حَيْضتان" (?)، فنصَّ على الحيض، ولا فرق بين الأمة والحرة فيما تقع به العدة، ولحديث: "المُسْتَحاضة تدَعُ الصلاةَ أيامَ أقرائها" (?) أي أيام حيضها،