موجه إلى جميع المخاطبين، فكان عامًّا.
ومن أحكام الحقيقة أنها ترجح على المجاز؛ لأنها لا تفتقر إلى قرينة، ولأن الأصل في الكلام الحقيقة، أما المجاز فإنه يفتقر إلى القرينة، وهو بدل عن الحقيقة.
ومن أحكامها امتناع نفي المعنى عن اللفظ، فلا يقال للأب: ليس بأب، وإنما يقال للجد: ليس باب، لأن الجد مجاز بمعنى الأب، فيجوز نفيه.
وإذا ورد المجاز في النص فيثبت له المعنى الذي قصد منه، خاصًّا كان أو عامًّا، وأنه يجوز نفي المعنى الحقيقي عند مسمى المجاز، فلو قيل عن رجل: هذا أسد، فيصح أن يقال: ليس بأسد، والمجاز خلف للحقيقة أو فرع لها؛ لأنه لا يثبت إلا عند تعذر العمل بالحقيقة، ولهذا يحتاج إلى قرينة، ففي مجال وجوب الوضوء قال تعالى: {أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ} [النساء: 43]، فالغائط حقيقة في اللغة هو المكان المنخفض، ثم أطلق مجازًا على قضاء الحاجة، وهو المعنى المراد هنا، أي الحدث الأصغر الذي يوجب الوضوء للصلاة (?).
اختلف علماء الأصول في جواز إطلاق اللفظ الواحد على مدلوله الحقيقي ومدلوله المجازي في وقت واحد، واعتبار كل معنى منهما مُتَعَلَّقًا للحكم.
فذهب الجمهور من المالكية والشافعية والحنابلة إلى جواز ذلك بشرط أن لا يكون المعنيان متضادين، ويكون إطلاقه عليهما معًا مجازًا، بدليل أن المتكلم قد يقصد الأمرين معًا، مثل قوله تعالى: {يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ} [النساء: 11]، فإنه حقيقة في ولد الصلب، ومجاز في ولد الابن، والآية تشمل الأمرين، ومثل قوله تعالى في أسباب الوضوء: {أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ} [المائدة: 43]، فيراد منه اللمس باليد، واللمس بالجماع، فيحمل عليهما، ويجب الوضوء منهما، لأن اللمس حقيقة في لمس اليد، ومجاز في