نظر؛ فكلام الخطيب في باب التدليس من "الكفاية" يؤيد ما قاله ابن القطان، قال الخطيب:"التدليس متضمن للإرسال لا محالة، لإمساك المدلس عن ذكر الواسطة وإنما يفارق حال المرسل بإيهامه السماع ممن لم يسمعه فقط وهو الموهن لأمره فوجب كون التدليس متضمناً للإرسال، والإرسال لا يتضمن التدليس لأنه لا يقتضي إيهام السماع ممن لم يسمع منه، ولهذا لم يذم العلماء من أرسل وذموا من دلس (?) " أ. هـ كلام الحافظ. (?)
وتمام كلام الخطيب:" والتدليس يشتمل على ثلاثة أحوال تقتضي ذم المدلس وتوهينه فأحدها
ما ذكرناه من إيهامه السماع ممن لم يسمع منه وذلك مقارب الإخبار بالسماع ممن لم يسمع منه" (?).
قال الحافظ: ((قلت: والذي يظهر من تصرفات الحذاق منهم أن التدليس مختص باللقي، فقد أطبقوا على أن رواية المخضرمين مثل: قيس بن أبي حازم وأبي عثمان النهدي وغيرهما عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من قبيل المرسل لا من قبيل المدلس. وقد قال الخطيب في باب المرسل من كتابه الكفاية:
لا خلاف بين أهل العلم أن إرسال الحديث الذي ليس بمدلس وهو: رواية الراوي عن من لم يعاصره أو لم يلقه، ثم مثل للأول بسعيد بن المسيب وغيره عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وللثاني بسفيان الثوري وغيره عن الزهري. ثم قال: والحكم في الجميع عندنا واحد)). انتهى.
فقد (بين) الخطيب في ذلك أن من روى عمن لم يثبت لقيه ولو عاصره مرسل لا مدلس. والتحقيق فيه التفصيل وهو: أن من ذكر التدليس أو الإرسال إذا ذكر بالصيغة الموهمة عمن لقيه، فهو تدليس أو عمن أدركه ولم يلقه فهو المرسل الخفي. أو عمن لم يدركه، فهو مطلق الإرسال ".
أي: إن الحافظ فرق بين المعاصرة واللقاء في ذلك، وعد الأولى تدليسا والثانية إرسالا خفياً، قال السخاوي:" فخرج باللقاء المرسل الخفي فهما وإن اشتركا في الانقطاع فالمرسل يختص بمن روى عمن عاصره ولم يعرف أنه لقيه كما حققه شيخنا تبعاً لغيره على ما سيأتي في بابه قال وهو الصواب لإطباق أهل العلم بالحديث " (?).
وقال السيوطي:"والفرق بينه وبين الإرسال أن الإرسال روايته عمن لم يسمع منه، قال العراقي: والقول الأول هو المشهور وقيده شيخ الإسلام (?) بقسم اللقاء وجعل قسم المعاصرة إرسالاً خفياً." (?).
وقال العلائي:"قال ابن عبد البر: اختلفوا في حديث الرجل عمن لم يلقه، مثل مالك عن سعيد بن المسيب والثوري عن إبراهيم النخعي فقالت فرقة: هذا تدليس، لأنهما لو شاءا لسميا من حدثهما كما فعلا في الكثير مما بلغهما عنهما، قالوا: وسكوت المحدث عمن حدثه مع علمه به دلسة، قال أبوعمر-يريد ابن عبد البر- فإن كان هذا تدليساً فما أعلم أحداً من العلماء سلم منه في قديم الدهر ولا حديثة اللهم إلا شعبة بن الحجاج ويحيى بن سعيد القطان فإنهما ليس يوجد لهما شيء من هذا لا سيما شعبة. وقالت طائفة ليس هذا بتدليس وإنما هذا إرسال، وكما جاز أن يرسل سعيد بن المسيب عن النبي صلى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر رضي الله عنهما وهو لم يسمع منهم ولم يسم أحد من أهل العلم ذلك تدليساً، كذلك مالك في سعيد بن المسيب انتهى كلامه.
والقول الأول ضعيف؛ لأن التدليس أصله التغطية والتلبيس وإنما يجيء ذلك فيما أطلقه الراوي عن شيخه بلفظ موهم للاتصال وهو لم يسمعه منه فأما إطلاقه الرواية عمن يعلم أنه لم يلقه أو لم يدركه أصلاً فلا تدليس في هذا يوهم الاتصال وذلك ظاهر وعليه جمهور العلماء والله أعلم " (?).
وقد اختلف أهل المصطلح في هذا (المرسل الخفي) اختلافاً واسعاً، وكلُّ له أدلته، ولا مجال للزيادة ههنا، وإنما أقول: إن الحافظ ابن حجر رحمه الله لم يخترع هذا المصطلح من قبل نفسه بل سُبق إليه كما مر، وإنما الخلاف وقع في تنزيل المصطلح تطبيقياً، لأن الحافظ ابن حجر محدث وأصولي، فأراد أن يضبط الألفاظ على طريقة المناطقة، لأنه رأى أن القول في التدليس: هو رواية الراوي عمن سمع منه ما لم يسمعه منه، أو عمن لقيه ولم يسمع منه، أو عمن عاصره بينهم عمومٌ