بالاسم الخامل وبالكنية المجهولة ليبهموا الأمر ولئلا يعرف ذاك الراوي وضعفه فيزهد في حديثهم. تدليس البلاد: ... ومما يلتحق بتدليس الشيوخ تدليس البلاد، قال الحافظ ابن حجر:"ويلتحق بتدليس الشيوخ، ومثاله ما إذا قال المصري: (حدثني فلان بالأندلس) وأراد موضعاً بالقرافة؛ أو قال: (بزقاق حلب) وأراد موضعاً بالقاهرة؛ أو قال البغدادي: (حدثني فلان بما وراء النهر) وأراد نهر دجلة، أو قال: (بالرقة) وأراد بستاناً على شاطئ دجلة؛ أو قال الدمشقي: (حدثني فلان بالكرك) وأراد كرك نوح، وهو بالقرب من دمشق" (?).وحكْمه الكراهة، لأنه يدخل في باب التشبع بغير المُعطى، وإيهام الرحلة في طلب الحديث (?). وهم إنما يفعلون تدليس البلاد لإيهام الرحلة أو ليكون البلد المتوهَّم قرينة تُوْهم أن شيخ ذلك المدلس، أو شيخ شيخه، هو أحد مشاهير محدثي ذلك البلد المتوهَّم، مع أنه - في الحقيقة - غيره ولكنه يشاركه في التسمية، دون البلد. وذهب العلامة اللكنوي في ظفر الأماني إلى اعتبار تدليس البلاد قسيماً لتدليس الشيوخ وليس فرعاً منه. وجعله (تدليس البلاد) مندرجاً تحت تدليس الإسناد فخالف فيه جمهور أهل المصطلح، والأصوب هو ما نص عليه الإمام ابن حجر من جعله ملحقاً بتدليس الشيوخ، وهو ما سار عليه عامة علماء المصطلح، والله أعلم (?). ... ومن يتأمل في أسباب تدليس البلاد: يجد أن غرض من يفعل هذا النوع من التدليس قد اتضح مما تقدم، وهو إخفاء حقيقة موضع التحمل وإيهام أنه موضع آخر؛ إما لإيهام الرحلة أو إيهام السماع من راو شهير من أهل ذلك البلد المراد توهم السماع فيه أو إيهام قدم السماع أو غير ذلك. ... من تحمل تحملاً سيئاً وحدث عن ذلك السماع وهو يظنه جيداً كافياً للرواية عنه تكُلم في سماعه، فإن أتى بما ينكر عليه ضُعف، فإن أوهم أنه سماع حسن فهو مدلس أو متساهل، وأما إن جزم بأنه حسن وهو يعلم الحال ويميز الفرق بين السماعين السيئ والجيد فهو كاذب.

طور بواسطة نورين ميديا © 2015