الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله واله وصحبه ومن والاه، وبعد:
الحقيقة أننا لم نختر هذا المصطلح (التدليس) إلا لأننا رأينا بعض الباحثين وطلبة الحديث المتعلمين، في جامعاتنا ومعاهدنا -اليوم -يحتاجون إلى مختصر موجز يوضح لهم عبارات العلماء، ويجمع لهم الأقوال بشكل ميسر، ولما رأينا من بعضهم أنه اختلط عليه التدليس والمرسل الخفي وعنعنة المدلس وغيره، ملتبساً على بعضهم إطلاق الحكم على الراوي كونه يدلس، وكونه من رواة الصحيحين، فلا يميزون بين أقسام التدليس وطبقاته، فوقع في خَلَدنا أن نكتب هذه الصفحات، ونجمع كلام أئمتنا، ونوضح عباراتهم ونبين ما أبهم على طلبتنا، غير زاعمين أننا جئنا بما لم يأت به الأوائل، وإنما جل عملنا هو جمع الأقوال وتحريرها وتبيان مختصر لتلك الأقوال، ولا اخفي أنني تنشّمت منها فوائد وفرائد، من مراجعة المصادر القديمة والحديثة، ومقابلة الأقوال، ومدارسة الترجيحات، فإن أصبنا فمن الله وحده ومنه التوفيق، وإن كانت الثانية فمن أنفسنا والشيطان. نسأل الله تعالى أن يتقبل منا ما أصبنا ويغفر لنا ما أخطأنا، وان يجعل بحثنا هذا الذي اسميناه: (الوجيز النفيس في معرفة التدليس)،وجيزا ميسرا، نفيسا، آمين.
المطلب الأول: حدّه ... التدليس: مشتق من الدَّلَسِ، وهو في أصل معناه الظلام (?)،ثم استعمل التدليس في اللغة بمعنى إخفاء العيب في المبيع ونحوه (?)؛ وإنما استعملت هذه اللفظة في مصطلح المحدثين بالمعنى الآتي شرحه؛ لأن المدلس - مهما كان نوع تدليسه - كأنه قد أظلم شيئاً من أمر الحديث على الناظر بتغطية وجه الصواب فيه (?). ... وأما في الاصطلاح، فلم أقف على تعريف يجمع كل الأقسام، وإنما ُيعّرف دوماً