قد ذكرنا أن أصله وضع الشيء في غير موضعه، ويجوز أن يكون أصله النقصان، ومنه قوله: (وَلَمْ تَظْلِمْ مِنْهُ شَيْئًا) أي: لم تنقص، والمظلومة: أرض لم تمطر بين أرضين قد مطرتا؛ كأنها نقصت حقها.
وهو في القرآن على أربعة أوجه:
الأول: الشرك؛ قال الله: (وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ) والشاهد قوله: (إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ) ولما نزل قوله: (وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ)، شق على الناس؛ فقالوا: يا رسول اللَّه، وأينا لا يظلم نفسه؟ فقال إنه ليس الذي تعنون، ألم تسمعوا إلى ما قال العبد الصالح: (إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ) ".
الثاني: ظلم العبد نفسه؛ قال: (وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ).
فإن قيل: كيف يظلم العبد نفسه ولم يقصد ضررها؟ قلنا: لأنه يقصد إلى ضرر قبيح ينزل بها من أجل شهوته له فيضرها من حيث يظن أنه ينفعها، ولو نظر فيما يأتيه حق النظر وقف على مكان الضرر منه فيكون ظالما لنفسه بذلك؛ ونظيرها قوله: (فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ).
ويجوز أن يكون المعنى أنه ينقصها الحظ من الثواب والذكر الجميل.
الثالث: ظلم الإنسان غيره؛ قال: (وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ عُدْوَانًا وَظُلْمًا) والعدوان والظلم واحد؛ وإنما كرر اللفظين على المعنى الواحد إرادة التوكيد والتصرف في الكلام على ما بينا من مذهب قوم يذهبون إلى ذلك، وأصح منه أن